Loader
منذ سنتين

حكم زكاة الحلي المستعمل


الفتوى رقم (1771) من المرسل السابق، يقول: كثر الأخذ والرد في زكاة الذهب المستعمل، وسمع الآخرون من كثيرٍ من أصحاب الفضيلة، منهم من قال: لا تجب في الذهب المستعمل، ومنهم من قال: تجب! فأرجو إفادتنا وإسماعنا فتوى لإيقاف هذه الشائعات وهذه البلبلة؛ وخاصةً ونحن بقرب حلول شهر رمضان.

الجواب:

هذه المسألة وهي مسألة حكم الزكاة في الذهب وفي الفضة من المسائل المتعلقة بزكاة الذهب والفضة عموماً، وبيان هذه المسألة من وجوه:

الوجه الأول: أن الأصل هو: عدم وجوب الزكاة في الذهب، وفي الفضة، وفي الحبوب، وفي الثمار، وفي غير ذلك من الأمور التي وجبت فيها الزكاة بعد مجيء الإسلام؛ فالأصل هو براءة الذمة من وجوب الزكاة.

الوجه الثاني: جاء الإسلام وقرّر الزكاة في أنواع، ومنها: الذهب والفضة، والحُليُ من الذهب والفضة، واختلف العلماء في وجوب الزكاة فيها:

 وسبب الخلاف يرجع إلى أن من أهل العلم من اعتبر أدلة وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وأنها تتناول بعمومها الحُلي؛ سواءٌ كان للاستعمال، أو لم يكن للاستعمال.

ومن العلماء من قال: إن الزكاة لا تجب فيها، واستندوا على أمرين:

أما الأمر الأول: فهو قياسه على أثاث البيت، وعلى البيت الذي يسكنه الإنسان، فيقولون: بما أن البيت مستعمل، وبما أن أثاث البيت مستعمل، ولا تجب في الزكاة؛ فكذلك الحُلي المعد للاستعمال لا تجب فيه الزكاة.

وأما الأمر الثاني فهو: ورد بعض الأدلة الدالة على نفي الزكاة فيه، كقوله ﷺ:«  ليس في الحُلي زكاة »[1].

 إلا أن الأحاديث التي جاءت دالةً على مشروعية الزكاة في الذهب في حلي الذهب والفضة، إذا كان مستعملاً أقوى من أدلة القائلين بعدم وجوب الزكاة؛ لأن أدلة وجوب الزكاة عامّة، وعندما يُخرج منها بعض الأفراد يحتاج هذا إلى دليلٍ قوي.

ومن جهةٍ ثانية جاءت أدلة خاصة في وجوب الزكاة في الحُلي المستعمل، ولا يتسع وقت البرنامج لتفصيل الكلام على هذا الموضوع؛ ولكنني أنبّه السائل والمستمع إلى أن يرجعا إلى ما كتبه في هذه المسألة الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي في كتابه - أضواء البيان - على تفسير الآية من سورة التوبة التي فيها الوعيد الشديد على الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله؛ فقد ذكر مذاهب العلماء والذاهبين إلى هذه المذاهب، وبيّن أدلة كلّ فريقٍ، وناقشها حسب القواعد العلمية من قواعد الأصول، وقواعد تفسير القرآن، وقواعد مصطلح الحديث، وبيّن ما تبرأ به الذمة، وتوصّل إلى أن الأحوط في هذا الباب هو القول بإخراج الزكاة. ثم إن أئمة الدعوة في هذا البلد -رحمهم الله- منهم من يُفتي بوجوب الزكاة. وإذا نظرنا إلى جانبٍ آخر من الجوانب التي يمكن أن تبنى عليها هذه المسألة هذا الجانب هو: أن الخروج من الخلاف أمر مطلوب؛ لما في ذلك من براءة الذمة، والأخذ بالاحتياط، والخروج من الإثم، والنبي -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « دع ما يريبك إلى مالا يريبك».

ولا شك أن من أخرج الزكاة لا يمكن أن يقول له أحدٌ أخطأت وأنك آثمٌ؛ ولكن يُخشى على الذي لا يخرج الزكاة أن يكون آثماً؛ لكن فيه من الحُلي ما ليس من الذهب ولا من الفضة؛ ولكنه من ألماس هذا لا تجب الزكاة فيه؛ لأن الأدلة لا تتناوله. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه ابن الجوزي في التحقيق في مسائل الخلاف(2/42)، رقم(980).