Loader
منذ 3 سنوات

حكم التصدق بالفوائد البنكية الربوية


الفتوى رقم (364) من المرسلة ص. م. م من مصر الوادي الجديد، تقول: أودعت مبلغاً من المال قدره 375 جنيهاً مصرياً منذ ثلاث سنوات -منذ أنا كنت طالبة في الجامعة-، ولم أكن أعلم أن الريع المأخوذة علي ربا؛ وذلك لأن الفائدة ثابتة، وقد علمت ذلك مؤخراً، وعندما أردت سحب المبلغ فقط، قالوا لي : أن أخذ المال والأرباح، وكنت في شك من الأرباح أنها ربا أخذها وأعطيها لأي فقير أو للمسجد، بدلاً من ترك المال للبنك. والآن لا أدري ماذا أفعل، هل أسحب المال فقط؟ أم أسحب المال وأعطي الربح لفقير؛ ولا سيما أن فتاة يتيمة تسكن بجوارنا تركها أبوها وأمها وانتقلا إلى رحمة الله قبل أن تتم ثلاث سنوات، وقد وفقني الله لأعطيها الكثير من الحنان الذي فقدته وأنا متعلقة بها جداً، ولا أحرمها من شيء، وأريد أن أشتري لها قرطاً من الذهب، وبالباقي ملابس من ريع المبلغ. هل يصح هذا؟ أم أن هذا المال لا يعتبر ربا؟ لأن الحكومة قد استثمرته، علماً أني لم أستغل فرداً بعينه في إعطائه المال وأخذ الفائدة عليه.

الجواب:

هذا السؤال له أهمية كبيرة بالنظر إلى أن كثيراً من الناس واقع به. والناس قد اتجه الكثير منهم إلى إيداع أموالهم في البنوك، ومن هؤلاء الذين يُودعون أموالهم قد انتظموا في سلك الإيداع بالفوائد الثابتة؛ ليضمنوا لأنفسهم بقاء الأموال من جهة، وحصول الأرباح عليها من جهة أخرى؛ ولا شك أن هذا محرّم وداخل في عموم الأدلة الدالة على تحريم الربا، وهو محاربة لله يقول الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"[1].

فالعبد الضعيف أين مقامه في مقابلة الله ومحاربته في شرعه؟ فهو الذي شرع التحريم، ومع ذلك يخالفه العبد علانية ويستمر على هذه المخالفة.

وقد بلغني من بعض الثقات أن بعض الأشخاص الذين يتعاملون في الربا، قد نصحه بعض المحبين له فقال له: اتق الله، واترك المعاملة بالربا. فقال: إذا استغنينا؛ يعني: إذا كثر المال عندنا -في اللغة المتعارف عليها (إذا تجِرنا تركنا التعامل بالربا).

ولا شك أن صدور هذا الكلام من شخص ينتسب إلى الإسلام، لا شك أنه يدعو إلى الأسف، كيف تبلغ الجرأة بالمسلم إلى هذا الحدّ!

ثم إن هذه الفوائد يأخذونها ويستسيغونها، ومنهم من يعتقد أنها حلال، ومنهم من يعتقد أنها حرام، ولكنه لا يبالي.

وبناء على هذه المقدمة التي ذكرتها في جواب هذا السؤال، الذين يودعون أموالهم في البنوك ينقسمون إلى أقسام:

القسم الأول: من يودع في البنك بدون فائدة من أجل حفظ ماله؛ لأنه يخشى عليه لو تركه في بيته. وهذا ينبغي له أن يتحرى الجهة التي لا تتعامل بالربا، وإذا لم يجد إلا جهة تتعامل بالربا، فليس عليه في ذلك حرج بالنسبة له ؛ وإنما الإثم عليهم لتعاملهم بالربا.

والقسم الثاني: من يودع ماله بفائدة، ولكنه يجهل الحكم، وبعدما تبين له الحكم، فهذا يسحب الفائدة، ويوزعها على الفقراء، ولا يجوز له أن يأكل منها، فإذا تصدق بها وأنفقها في وجه من وجوه البر؛ كالتصدق على الفقراء، فإن هذا جائز. وهي حلال بالنسبة للمتصَّدق عليه، وبالنسبة للمتصِدق قد برئ من عهدتها.

وقلت: إنها حلال بالنسبة للمتصَّدق عليه؛ لأن هذا مبني على قاعدة من قواعد الشريعة وهي أن الأحكام تتبدل بتبدل الأسباب، ولهذا الخمر إذا تحوّل إلى خل بدون قصد من المكلف فإنه حلال، والخل إذا تحول إلى خمر فإنه يكون حراماً، فتحول الخل من حرام إلى حلال لتبدل السبب فتبدل الحكم، وتغير من حلال إلى حرام لتبدل السبب. وبناء عليه فقد تبدل الحكم، وهذه قاعدة واسعة في الشريعة، وكما قلت: هذا فرع من فروعها.

والقسم الثالث: من يودع أمواله في البنوك، ويعلم أن الفائدة حرام، ويأخذها ويأكلها، أو يشتغل بها في تجارته، وهذا لا يجوز له أن يقبل في البداية، ولا يجوز له أن يأخذها وأن يتصرف فيها كما يتصرف في سائر أملاكه المباحة. ومن الناس من يودع ماله جهلاً منه، ويأخذ عليه فائدة ويأكلها، وهو لا يعلم الحكم؛ فهذا لعله يكون معذوراً في جهله.

        والحاصل: أن هذه المرأة السائلة لا يجوز لها أن تأخذ الفوائد مستقبلاً؛ ولكن الفوائد المتحصلة سابقاً لا مانع من إنفاقها على الفقراء، ومنهم اليتيمة المجاورة لها. وبالله التوفيق.



[1] من الآيتين (278، 279) من سورة البقرة.