هل دراسة فقه مقاصد الشريعة متيسرة؟ وكيف يمكن لطالب العلم المبتدئ أن يدرسها؟ وهل هناك كتب حول هذا الموضوع وكتابات مستقلة؟
- مقاصد الشارع ومقاصد المكلف
- 2022-02-21
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (10035) من المرسل السابق، يقول: هل دراسة فقه مقاصد الشريعة متيسرة؟ وكيف يمكن لطالب العلم المبتدئ أن يدرسها؟ وهل هناك من كتب حول هذا الموضوع كتابات مستقلة؟
الجواب:
المقاصد هي مقاصد للشارع، ومقاصد للمكلف.
ومقاصد المكلف لا بدّ أن تكون متطابقةً مع قصد الشارع من المكلف من جهة تطبيق الشريعة فيما يخصه.
فإذا نظرنا إلى مقاصد الشارع وجدنا أنها أقسام:
القسم الأول: مقاصد الشارع من جهة وضع الشريعة؛ أي: إنها وضعت لمصالح العباد في الدنيا وفي الآخرة، وقد قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام: ضروريات وحاجيات، وتحسنيات. فالضروريات: أصل للحاجيات، وللتحسينيات.
والضروريات هي: المحافظة على الدين، وعلى النفس، وعلى العقل، وعلى العرض والنسل، وعلى المال، والمحافظة تكون بطريقين عن هذه الأمور الخمسة:
الطريق الأول: المحافظة عليها من جانب الوجود.
والطريق الثاني: المحافظة عليها من جانب العدم؛ يعني: إنها لا تنعدم.
ولهذا شرع الله التوحيد، وشرع الله الإيمان بأركانه، وشرع الله أركان الإسلام هذا محافظة عليها من جانب الوجود.
والمحافظة عليها من جانب العدم: شرع الجهاد؛ وكذلك شرع قتل المرتد؛ إلى غير ذلك من الأمور التي فيها محافظة عليها من جانب العدم.
ومن ناحية المحافظة على النفس: خلق الله -جل وعلا- ما يحتاج إليه الإنسان في هذه الحياة من المآكل والمشارب والملابس؛ وهكذا وجهه وألهمه بناء المساكن التي يأوي إليها، فشرع له الطيبات من هذه الأمور.
ومن جهة المحافظة من جانب العدم: شرع الله -جل وعلا- القصاص؛ سواءٌ كان في النفس، أو كان في الأطراف، أو كان في المنافع؛ وكذلك شرع الدية في قتل الخطأ.
ومن جهة المحافظة على العرض والنسل:شرع الله النكاح لجميع من يحتاج إليه.
وشرع حد الزنا وذلك محافظة على العرض والنسل من جانب العدم.
وبالنسبة للعقل: فالله -سبحانه وتعالى- شرع للإنسان -أيضاً- ما يحتاج إلى التغذية؛ لأن تغذية الجسم تغذيةٌ للعقل وقد سبقت قبل قليل.
والمحافظة عليه من جانب العدم: أن الله -تعالى- حرم الخمر وبيّن الرسول ﷺ الحد فيه. وحرم جميع الأمور التي من شأنها أن تؤثر على العقل.
وبالنسبة للمحافظة على المال: شرع الله -جل وعلا- أسباب الكسب الطيبة.
ومن جهة المحافظ عليها من جانب العدم حرم المكاسب الخبيثة جملةً وتفصيلاً، وأوجب قطع يد السارق: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}[1].
وهذه الضروريات هي أمور في الشريعة إذا عدمت حصل اختلال؛ سواء في الشخص،أو في المجتمع، أو في حياة الناس عامة؛ يعني: إذا اختلت أركانها وشروطها؛ وكذلك حصل هذا الشيء فإنه يحصل اختلال.
أما الحاجيات مرتبتها أدنى من مرتبة الضروريات، والحاجيات شرعت للناس من جهة أنهم يفعلونها في حالة ما إذا حصل عليهم ضيقٌ؛ لكن لا يصل إلى درجة الضرورة.
ومن أمثلة الحاجيات ما شرعه الله -جل وعلا- من الرخص في باب الشريعة. والرخص منها ما يكون داخل في درجة الضروريات لكن الرخص في باب الطهارة، وفي باب الصلاة، وفي باب الصيام، وفي باب الحج؛ إلى غير ذلك من الأبواب هذه تكون من باب الحاجيات.
وبالنسبة للتحسنيات هي مشروعة للتوسعة على الناس، ويندرج فيها ترك المكروهات وفعل المندوبات وجميع ما يجري، وترك المستخبثات من ناحية مثلاً فعلها، وكذلك يجري فيها جميع ما يجري في مكارم الأخلاق ومحاسن العادات؛ هذا بالنظر إلى القسم الأول.
القسم الثاني: مقاصد الشارع من جهة دلالة الأدلة. والمقصود بكلمة دلالة الأدلة ؛ يعني : المعنى الذي أراده الله أو أراده الرسول ﷺ من أدلة مشروعية الأحكام.
وهذا النوع يخدمه علم اللغة جملةً وتفصيلاً من جهة دلالة الألفاظ وضعاً واستعمالاً وحقيقةً ومجازاً وإعراباً؛ يعني: من ناحية النحو، وعلم البلاغة عموماً، وعلم مفردات اللغة تصريفاً واشتقاقاً ودلالةً وضعيةً واستعمالية، هذه كلها تستخدم من أجل معرفة دلالة الألفاظ.
القسم الثالث من مقاصد الشارع: من يدخل تحت الأدلة ، ومن لا يدخل.
والقسم الرابع: ما يدخل تحت الأدلة من الدلالة ، وما لا يدخل.
وهذا بالنظر إلى الأمور التي تكون في نطاق المكلف، والتي لا تكون في نطاقه.
وأما بالنظر إلى مقاصد المكلف فالرسول ﷺ قال: « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ».
فمقاصد المكلف إذا كانت فيما كان الأصل فيه تعبد فالنية شرط في صحة العمل وفي ثواب العمل فيه، فمقاصد المكلف إذا كانت فيما كان الأصل فيه التعبد فالنية شرط في صحة العمل وفي الثواب عليه. وإذا كانت في باب العادات كالمعاملات فإنها شرط في ثواب العمل، وليست شرطاً في صحة العمل، وأحسن من تكلم على مقاصد الشريعة هو الإمام الشاطبي في كتابه -الموافقات- فقد بناه على خمسة أقسام، وجعل منها قسماً خاصاً في مقاصد الشريعة. وكثيرٌ من الذين جاؤوا من بعده اعتمدوا عليه، فبعضهم يتوسع في بيان المعنى الذي أراده، وبعضهم يختصر الكلام الذي قاله، وبعضهم ينظم الكلام الذي قاله. وقد يكون هذا في باب المقاصد فقط، وقد يكون في كتاب الموافقات وفي كتاب (مقاصد الشريعة) للطاهر ابن عاشور.
وبهذه المناسبة فإني أنبه المستمع على أن هذا الباب يمكن أن يستعان بجميع ما كتب في حكمة التشريع، وجميع ما كتب في فلسفة التشريع، وجميع ما كتب في المصالح؛ ففيه كتب كثيرة كتبت في المصالح فبالإمكان أن يستعين الشخص بهذا؛ وكذلك ما كتب في فقه اللغة؛ يعني: أصول اللغة فإنها تساعد طالب العلم على ذلك. وبالله التوفيق.