السفر الذي تقصر له الصلاة، والسفر من منطقة إلى منطقة للعمل بساعات محددة، وحكم الجمع بين الصلاتين
- الصلاة
- 2021-09-24
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1792) من المرسل ص. ع. ع، من مكة المكرمة المسفلة، يقول: لا شكّ بأن قصر الصلاة الرباعية في السفر واجب، وهو مذهب الظاهرية والحنفية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -قدّس الله روحه- من الأحاديث الواردة عن عمر بن الخطاب، وابن عمر، وابن عباس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم في الحديث: « فرضت الصلاة ركعتين ركعتين.. »[1] الحديث، والسؤال هو:
ما بيان الشرع في جنس السفر الذي تُقصر فيه الصلاة؟ وما معنى قول بعض أهل العلم: بأن الصحيح من القول في قصر صلاة المسافر هو السفر الذي يخضع لعرف الناس أنه سفر، وبعضهم يقول في السفر الذي نواه المسافر أن يكون سفراً؟ وهل الانتقال من منطقة إلى منطقة أخرى للعمل لساعات محدودة في مسافة كافية للقصر، يجب عليه أن يقصر فيها الصلاة الرباعية؟ وماذا عن الجمع بين الفريضتين؟
الجواب:
من وجوه:
الوجه الأول: هو أنه يرد في الشريعة أدلة، وتكون هذه الأدلة مطلَقة ويقيّدها العرف، ومن ذلك هذه المسألة التي سأل عنها السائل، وهي أن الله -جلّ وعلا- ذكر السفر في قوله تعالى:"وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ"[2] الآية، ففي هذه الآية أطلق الضرب في الأرض، ولم يقيّده بقيد معين، فما يُسمّى سفراً عرفاً فإنه تُرتب عليه الأحكام.
وبناءً على ذلك حصل اختلاف في هذا التقييد، فمن العلماء من قيّده بالسفر الذي يحتاج إلى زاد وراحلة، فاحتياج الإنسان للزاد والراحلة هو مناط السفر.
وعلى هذا الأساس تُسمّى هذه المسافة مسافة سفر، ومقدارها 80 كيلومتراً تقريباً؛ يعني: مسافة يومين قافلين إذا كان يريد قطع هذه المسافة؛ فإنه يترخّص برخص السفر. هذا هو الوجه الأول.
الوجه الثاني: إذا تقرر هذا الوجه فلا بدّ من معرفة أن السفر قد يكون سفراً مشروعاً، وقد يكون سفراً ممنوعاً؛ فإذا كان الشخص سافر سفراً مشروعاً؛ فإنه يترخّص برخص السفر، وإذا كان الشخص قد سافر سفراً ممنوعاً؛ فإنه لا يترخّص برخص السفر؛ فالشخص الذي يسافر من أجل قطع الطريق على المسلمين وإيذائهم، أو من أجل ترويج المخدرات من جهة بيعها وشرائها واستيرادها؛ هذا لا يترخّص برخص السفر؛ وكذلك الذي يسعى للسرقة يسافر من بلد إلى بلد من أجل السرقة، وما إلى ذلك؛ فهذا الشخص لا يترخّص برخص السفر؛ لأن سفره سفر معصية، والله -جلَّ وعلا- نهى عباده عن أن يتعاونوا على الإثم والعدوان، وبما أنه نهى عباده عن التعاون على الإثم والعدوان، فهو -جلّ وعلا- موصوف بصفات الكمال، ومنزّه عن جميع صفات النقص؛ فهو منزّه عن أن يعين ظالماً على ظلمه؛ يعني: إنه يسهل عليه في سفره، يجعله يترخّص برخص السفر: من الجمع، ومن القصر، ومن التيمم إلى غير ذلك من رخص السفر؛ كالفطر في رمضان، فلا بدّ من التنبه للفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية.
الوجه الثالث: إن الشخص إذا سافر ، فإنه ينظر ، فإذا سافر وأقام في بلد أربعة أيام فما دون؛ يعني: نوى الإقامة أربعة أيام فما دون؛ فإنه يترخّص برخص السفر من الجمع ومن القصر إلى غير ذلك من سائر الرخص، وإذا نوى الإقامة بها أكثر من أربعة أيام؛ فإنه لا يترخّص برخص السفر.
وإذا لم ينوِ إقامة لا يدري متى تنقضي حاجته هو جلس في بلد، ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته؛ هل تنقضي بيوم، أو يومين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو عشرة؛ ففي هذه الحال له أن يقصر، وله أن يجمع.
ومما يحسن التنبيه عليه -هنا- التنبيه على أمرين:
الأمر الأول: أنه لو جمع بين الظهر والعصر، أو جمع بين المغرب والعشاء، وهو مقيمٌ إقامةً أربعة أيام فما دون، أو إقامة لا يدري متى تنقضي حاجته؛ فإن صلاته تكون صحيحة؛ لأن الرسول ﷺ جمع في غزوة تبوك وهو مقيم ؛ ولكن كونه يصلي كلّ صلاةٍ في وقتها هذا أفضل.
الأمر الثاني: إن الشخص إذا كان مقيماً في بلد، وكان يسمع النداء، وأمكنه أن يصلّي الصلاة جماعةً؛ فلا شك أن هذا أفضل في حقه؛ لأن صلاته مع الجماعة أفضل من صلاته بمفرده.
الوجه الرابع: إن الشخص قد لا يكون مقيماً في بلد، ولكن يكون ماشياً في سيارته مثلاً، فهذا إذا كان سفره مما يشرع فيه القصر والجمع على ما مضى بيانه في الوجه الأول؛ فإن هذا الشخص إذا ارتحل قبل أن تزول الشمس؛ فإنه يؤخّر الظهر إلى العصر ويجمع جمع تأخير، وإذا ارتحل قبل أن تغرب الشمس؛ فإنه يؤخّر المغرب إلى العشاء ويجمع جمع تأخير، وإذا ارتحل بعد أن تزول الشمس؛ فإنه يقدّم العصر مع الظهر، ويصليهما جمع تقديم، وإذا ارتحل بعد أن تغرب الشمس؛ فإنه يقدّم العشاء مع المغرب، ويصليهما جمع تقديم.
هذه هي الطريقة الشرعية فيما يتعلق بما سأل عنه السائل من جهة بيان المسافة التي تُقصر بها الصلاة، ومتى يقصر المسافر، ومتى يجمع، ومتى لا يشرع له قصرٌ ولا جمع. وبالله التوفيق.