حكم تكفير الكفار، ومن يستهزيء بالدين، وما الفرق بين التكفير على العموم وتكفير معين؟
- التكفير
- 2022-01-14
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (9042) من المرسل ح. م. ع، يقول: ما حكم تفكير الكفار، وتكفير من يحصل منه عمل كفر من المسلمين؛ كالاستهزاء بالدين؟ وما التفريق بين التكفير على العموم وتكفير معين، نرجو التوجيه حيال هذا الموضوع؟
الجواب:
من المعلوم أن القرآن هو أصل التشريع، وأن بعضه يبين بعضاً، وأن السنة يبين بعضها بعضاً، وأنها مبينة للقرآن، وأن معرفة الأحكام التي اشتمل عليها القرآن واشتملت عليها السنة يحتاج إلى وسائل كعلوم اللغة بجميع فروعه، وعلوم الحديث، وأصول الفقه، وقواعد التفسير، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم أسباب النزول، وأسباب ورود الحديث، ومعرفة المشكل من القرآن، ومعرفة المشكل من السنة، هذه وسائل لابد أن يأخذ بها من يريد فهم القرآن وفهم السنة هذا من وجه.
ومن وجهٍ آخر الله -سبحانه وتعالى- بيّن الأسباب والمسببات في القرآن، وبيّن أحكام هذه الأسباب.
ففي افتتاح سورة البقرة ذكر الله أربع آياتٍ وصف فيها المؤمنين، وصفهم بالنظر لما يصدر منهم، وما يصدر منهم هو أسباب، وبيّن ما يجازون به، وهذا هو المسبب، ووصفهم بالإيمان وهذا حكمٌ من الله -جل وعلا- عليهم بهذه الصفة، وذكر آيتين بعد آيات المؤمنين، ذكر آيتين في وصف الكفار، ذكر صفتهم وهو سبب، وذكر حكمهم، وذكر المآل الذي يؤولون إليه يوم القيامة، وذكر أيضاً بعد ذلك ثلاث عشرة آية في المنافقين، ذكر فيها الأسباب والمسببات والأحكام.
وعلى هذا المسار في القرآن العظيم تجد أن الله -جل وعلا- يذكر أوصاف من أطاعه، ويبّين الحكم فيه، ويذكر الجزاء الذي يترتب على هذا العمل وهذا من فضل الله -جل وعلا-، ويبيّن الأسباب التي ليست بمشروعة ومن جملتها ما يقتضي الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الشرك الأكبر، وبيّن الأحكام المترتبة عليهم، وبيّن أيضاً الآثار التي تنتظرهم سواءٌ في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً.
وعلى هذا الأساس فالشخص الذي يريد أن يحكم على أحد في الكفر، يحكم على شخص غير معين وإنما يقول: من فعل كذا.
لكن هذا الشخص الذي يريد أن يحكم مثلاً بالكفر، لابد أن يكون عالماً بالقرآن والسنة، ويكون عالماً بالوسائل التي تجعله يفهم القرآن والسنة على وجهٍ سليم، وبإمكانه أن يحكم كما حكم الله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[1]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[2]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[3]، فمن ذكر الله صفته في القرآن وحكم عليه بالكفر يكفي الإنسان أنه يأتي بالدليل فقط؛ لأن الله هو الذي حكم عليه بالكفر.
أما ما يفعله بعض الناس جرياً على مذهب المرجئة وهو أنهم لا يكفرون بمعصية، فيكفي عندهم التصديق، وبناءً على مذهبهم هذا، فإبليس يكون مؤمناً ولا يكون على وجه الأرض كافر إلا من جحد وجود الله -جل وعلا-، فمن جحد وجود الله هذا هو الكافر عندهم، أما من أقر بذلك ولكنه لم يعمل حسنةً قط ولم يترك سيئةً قط إلا فعلها فهذا عندهم مؤمن، هؤلاء يسمونهم بالمرجئة.
وعكسهم الخوارج الذين يكفرون بكل معصية.
والطريق السليم في ذلك هو: أن الشخص لا يحكم بالكفر إلا على من حكم الله عليه باعتبار الصفة، أما تكفير شخص معين مثل الآن ما يفعله بعض الشباب عمره خمسة عشر سنة أو عشرين سنة ومع ذلك تجد أنه ينصب نفسه للتكفير فيكفر من يرغب تكفيره من الناس يعني من شاء كفرّه، بصرف النظر عن صفة هذا الشخص المكَّفر.
وقد سألني شخصٌ عن أمر من الأمور وعمره عشرون سنة تقريباً، فقال: يُشكل علي من الفقه ثلاث مسائل، فسألته عن دراسته، فقال: أنا أحمل شهادة الكفاءة!
فإذا نظرنا إلى بعض الأشخاص الذين يصدر منهم هذا التكفير وجدنا أن حصيلتهم في العلم قليلةٌ جداً؛ بمعنى: أنهم يجهلون كثيراً جداً من الوسائل المستخدمة لفهم القرآن ولفهم السنة، وإذا كانوا يجهلون المسائل فلا يمكن أن يستنبط من القرآن إلا على حسب القواعد والمقاصد. وبالله التوفيق.