Loader
منذ 3 سنوات

كيفية مراجعة ما تم حفظه من القرآن


الفتوى رقم (6834) من المرسل السابق، يقول: أحفظ من كتاب الله -تعالى- أكثر من عشرين جزءًا ربما حفظت كل شهر نصف جزء؛ ولكن سرعان ما أنسى ما حفظته فيما مضى، هل هناك طريقة لمراجعة الحفظ تبينونها لنا أحسن الله إليكم؟

الجواب:

        لا شك أن تلاوة القرآن للإنسان أجر إذا قرأها عن ظهر قلب أو قرأها من المصحف، ولكن عندما يكون فاهماً لمعاني الآيات التي يقرؤها يختلف عن الشخص الذي يحفظ الآية مجرد حروف، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعتنون بفهم القرآن، ولهذا قال أحد الصحابة: « إنكم في زمانٍ قليلٌ قراؤه كثيرٌ فقهاؤه، وقليلٌ من يسأل كثيرٌ من يعطي، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، يطيلون الصلاة ويقصرون الخطبة، يبدؤون بأعمالهم قبل أقوالهم، وسيأتي زمان كثيرٌ قراؤه قليل فقهاؤه، كثيرٌ من يسأل قليل من يعطي، تحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده، يطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة، يبدؤون بأقوالهم قبل أعمالهم »[1].

        والمقصود هو ما جاء في هذا من الفرق بين الصحابة وبين من أُريد في آخر هذا الأثر، فإن الصحابة يعتنون بفهم القرآن. وفي آخر الزمان يعتنون بحفظ حروفه؛ ولكن يوجد منهم كثيرٌ لا يفهمون معناه ولا يعملون به من جهةٍ أخرى، والصحابة رضي الله عنهم يحرصون على فهم معناه وعلى العمل به.

        ومن أراد أن يحفظ القرآن عن ظهر قلب فإنه لا بدّ أن يعتني بتحديد الآيات التي يريد أن يحفظها؛ يعني: يحدد موضعها من المصحف، ويُحسن قراءتها من ناحية الحروف، ويقرأ تفسيرها.

         فعلى سبيل المثال: سورة البقرة تشتمل على موضوعاتٍ متعددة، فمثلاً ذكر الله في أولها أصناف الناس: المؤمنين، والكفار، والمنافقين، وذكر الله المؤمنين في أربع آيات، والكفار في آيتين، والمنافقين في ثلاث عشرة آية إلى قوله -تعالى-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ"[2] فعندما يحدد الشخص هذه الآيات ويقرأ تفسيرها، ويعرف أن هذه الآيات في بيان أصناف الناس وصفاتهم وأعمالهم وجزاء كل صنفٍ منهم، بعد ذلك ينتقل للموضوع الثاني وهو الدعوة إلى التوحيد: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ إلى قصة خلق آدم: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"[3] فيقرأ تفسير هذه الآيات؛ وهكذا ينتقل من موضوعٍ إلى موضوع، وفي هذا مصالح كثيرة بالنظر إلى أنه يسهل الحفظ من جهة، ويُسهل الاستفادة للاستشهاد بالقرآن في مواضع الحاجة في مقام القضاء، وفي مقام الإفتاء، وفي مقام الدعوة إلى الله -جل وعلا-، وفي مقام التأليف فيستذكر الإنسان الآيات، وفيه -أيضاً- معرفة أسباب النزول، وفيه معرفة الناسخ والمنسوخ، وفيه عندما يتوسع الإنسان في قراءة التفسير يعرف آيات الأحكام، ويعرف كلام أئمة التفسير من الصحابة ومن التابعين وأتباع التابعين في تفسير هذه الآيات، وعندما يجري على هذا المجرى ولا ينظر إلى طول الوقت ولا قصره من ناحية متى يكمل القرآن؛ لكن إذا سار على هذه الطريقة فإنه سيستفيد بنفسه ويفيد غيره. وبالله التوفيق



[1] أخرجه مالك في الموطأ، كتاب السهو، باب جامع الصلاة(2/242)، رقم(597).

[2] من الآية (21) من سورة البقرة.

[3] من الآية (30) من سورة البقرة.