Loader
منذ سنتين

حكم ترك العمل خوفاً من الرياء


  • فتاوى
  • 2021-12-10
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (3251) من المرسل السابق، يقول: عندما أريد أن أفعل بعض الطاعات، أو النوافل، أو أي عملٍ أو قولٍ فيه خير، يأتيني شخص بأن ما أفعله رياء؛ ولكن أحاول -بقدر المستطاع- ألا ألتفت إلى ذلك، ولكني أخشى أن يقول عني الناس: كذا وكذا، وكثيراً ما أتردد عن فعل هذا الشيء؛ لكنني أصمّم وأفعله، وأقول: لعل هذه الوساوس من الشيطان، ولكنني في حيرةٍ شديدة، حتى بعد أن أفعل هذا الشيء يأتيني هذا الشخص حتى في أدنى الأعمال وأبسطها، لدرجة أنني إذا ابتسمت داخلني الشك بأن هذه الابتسامة لكي يمدحني الناس، وهذه مشكلةٌ كبيرةٌ لديّ، أرشدوني كيف أتجنبها؟

الجواب:

الشيطان له مداخل يدخل معها إلى بني آدم، وهذه المداخل تكون في باب الأوامر؛ سواءٌ كانت الأوامر تقتضي الوجوب، أو تقتضي الندب، أو تقتضي الإباحة. وله مداخل في باب النواهي؛ سواءٌ كان النهي يقتضي التحريم، أو كان النهي يقتضي الكراهة. وهذه المداخل على حسب قوة إيمان الشخص وضعفه، فالشيطان يتسلّط على ابن آدم على حسب ما يكون عند ابن آدم من قوة الحصانة، ومن ضعف الحصانة. فهو بمنزلة اللص الذي يريد أن يسرق، فإذا كانت هناك حصانةٌ حسية؛ بمعنى: إن المكان الذي يتواجد فيه للسرقة محصن من جميع الوجوه، وكان قلب ابن آدم محصناً بالإيمان؛ فإن الشيطان يرجع خائباً، وإذا كان الحصن ضعيفاً، فالسارق يدخل، وإذا كان القلب ضعيفاً، فإن الشيطان يتسلّط عليه بحسب ما يوجد في القلب من الضعف.

ففي باب الأوامر يدخل عليه من ناحية أنه يقول له: لماذا تكلّف نفسك في فعل هذه الأمور، اجعل لك نصيباً من الراحة. ويأتي وقت الصلاة فيقول له: لا تشق على نفسك، لا تصلِّ. وإذا عجز عن هذه الطريقة قال: لا تكلّف نفسك تصلّي مع الجماعة، وهكذا، وقد ينجرّ معه إلى أنه لا يصلّي في الوقت، وإذا دخل في الصلاة دخل عليه من جهةٍ أخرى، فيجعله يسرع في الصلاة من ناحية القراءة والركوع والسجود، وما إلى ذلك، فيكون قد خرج من صلاته وقد صلّى صلاةً صورية، لم يؤدِّ أركانها، ولم يؤدِّ واجباتها، فهذا مثالٌ لمدخله في الصلاة.

وهكذا في سائر الأوامر يدخل عليه من جهة منعه، وإذا عجز عن المنع يدخل عليه من ناحية تأخيره عن وقته، أو تأخيره عن مكانه الذي طلب منه أن يفعله فيه، وإذا عجز عنه دخل عليه من بابٍ آخر، وهو أنه يؤدي هذا العمل على وجهٍ غير مرضٍ؛ يعني: لا يؤديه من الناحية الكيفية على الوجه المطلوب، وهكذا في سائر الأوامر والنواهي، يحمله على الشرك بالله، يحمله على الزنا، يحمله على السرقة؛ فإذا عجز عنه من هذه الناحية حمله على استخدام وسائلها، وحمله على إعانة الآخرين عليها، إلى غير ذلك من الأساليب التي يستخدمها.

وهو مع كلّ إنسانٍ بحسبه، يكون مع العلماء، يكون مع القضاة، يكون مع المدرسين، يكون مع الرجال، يكون مع النساء، فهو يشتغل مع كلّ إنسان بحسبه، وبحسب ما يعرف عنه من قوة الإيمان وضعفه، ولهذا يقول الرسول ﷺ في وصفه لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-إيه يا ابن الخطاب ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجك »[1]؛ يعني: إن الشيطان لا يجتمع مع عمر، وما ذلك إلا لما أعطاه الله -جلّ وعلا- من قوة الإيمان.

فينبغي للشخص أن يتحصن عن الشيطان بفعل الأوامر وبترك النواهي، وألا يلتفت إلى جميع العوارض التي تعرض له عن طريق الشيطان، من ناحية أنه يقول له: لا تفعل هذا الفعل؛ لأنك إذا فعلته يتحدث عنك الناس، ويكون هذا من باب الرياء، إلى غير ذلك من الأمور التي يلقيها في قلب الإنسان.

ومن وجد شيئاً من ذلك، فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولهذا يقول الرسول ﷺ: « يأتي الشيطان أحدكم فيقول له: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته »[2]. أو كما قال ﷺ. فينبغي للإنسان أن يتحصّن من الشيطان الرجيم، والله -تعالى- يقول: "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"[3]، ولا شك أن الشيطان عدو، وقد قال الله -تعالى- في شأنه: "وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"[4]، وهذا الظن هو المذكور في قوله تعالى: "فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)"[5]، وكذلك قوله -تعالى-: "لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا"[6]؛ يعني: إنه ظن في نفسه أنه يظفر بإغواء كثيرٍ من بني آدم، والله -تعالى- يقول: "وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"[7]. نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحول بيننا وبينه. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب(5/11)، رقم (3683).

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (4/123)، رقم (3276)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها(1/120)، رقم(134).

[3] الآية (200) من سورة الأعراف.

[4] الآية (20) من سورة سبأ.

[5] الآيتان (82، 83) من سورة ص.

[6] من الآية (62) من سورة الإسراء.

[7] الآية (20) من سورة سبأ.