شرح قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والفرق بين الضرر والضرار
- صيغ العموم
- 2022-01-01
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (7989) من المرسل م. ع. ن، يقول: ما شرح القاعدة الشرعية لا ضرر ولا ضرار؟ وما الفرق بين الضرر والضرار؟ أحسن الله إليكم.
الجواب:
هذا اللفظ (لا ضرر ولا ضرار) من أحاديث رسول الله ﷺ، وقد آتاه الله -جل وعلا- جوامع الكلم؛ فيقول الكلام القليل وهو يشتمل على المعنى الكثير. وهذا الحديث يشتمل على أمرين:
أما الأمر الأول فهو قوله ﷺ: « لا ضرر »؛ فكلمة: ضرر نكرة وقعت في سياق النفي، والنكرة إذا وقعت في سياق النفي تكون عامّة، والعموم هنا أن الله -سبحانه وتعالى- لم يشرع ضرراً ابتدائيّاً؛ بمعنى أنه لم يُجِز لأحد من الخلق أن يحصل منه ضرر على نفسه أو على غيره.
وإذا كان هذا كذلك فهو مثله بين الناس؛ فبما أن الله لم يشرع هذا فلا يجوز للشخص أن يصدر منه ضررٌ لغيره؛ ومنه الضرر من ناحية العقل؛ فالذين يروجون المخدرات، والذين يصنعونها، ويوردونها، ويروجونها، ويبيعونها، ويستعملونها هم داخلون في هذا. فجميع ما يضر العقل داخل في هذا، ولا يجوز للإنسان أن يتناول ما يضر عقله، ولا يجوز له أيضاً أن يسعى إلى إيقاع الضرر في عقل غيره بأي وسيلةٍ من الوسائل.
ويدخل في ذلك أيضاً الضرر من ناحية المال؛ فلا يجوز للشخص أن يضر نفسه من جهة ماله، أو أن يضر غيره من جهة ماله، ولهذا جاء تحريم الغصب وتحريم السرقة، وكذلك جاء تحريم الربا وتحريم الغش في المعاملات، فلا يجوز له أن يعقد سبباً ينشأ عنه كسبٌ للمال من غير وجهه الشرعي، وكذلك من ناحية إنفاق المال؛ فلا يصدر منه ضررٌ في الكسب، ولا يصدر منه ضررٌ في الإنفاق.
ويدخل في هذه الجملة أيضاً ما يتعلق بالعرض؛ فلا يجوز للإنسان أن يعقد سبباً ينشأ عنه ضررٌ عليه؛ يعني على عرضه، ولا على عرض غيره، ولهذا جاء تحريم الزنا وتحريم اللواط، وكذلك ما يفعله بعض النساء من السحاق، وما يفعله بعض الأشخاص وبعض النساء من العادة السرية، فلا يجوز للإنسان أن يعقد سبباً ينشأ عنه ضررٌ على عرضه أو على عرض غيره.
ويدخل في هذا أيضاً النهي عن الضرر المتعلق بالنفس؛ ولهذا يقول الله -جل وعلا-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[1]، فلا يجوز للشخص أن يضر نفسه أو يتسبب في إيقاع الضرر على أي جزءٍ من أجزاء بدنه من سمعه أو بصره أو لسانه، أو أي جزءٍ من أجزاء بدنه، وكذلك من ناحية المنافع، وكما أن هذا لا يجوز له في نفسه فكذلك لا يجوز له أيضاً أن يقدم عليه من جهة إيقاع الضرر على غيره.
وكذلك يدخل في هذه الجملة النهي عن الضرر فيما يتعلق بالدين؛ فلا يضر الإنسان نفسه من ناحية دينه، ولا يضر غيره من ناحية دينه أيضاً، فالشخص عندما يحمل نفسه على تعلم ما يكون فيه ضررٌ عليه في الدين، أو يُعلم غيره ما يكون فيه ضررٌ في الدين من انحرافٍ من ناحية الأمور العقدية أو الأمور القولية أو الأمور العملية.
وقد أوجزت ذلك؛ لأن وقت البرنامج ضيق، لكن هذه إشاراتٌ إلى أن معنى قوله ﷺ: « لا ضرر » ألا يُقدِم الإنسان على ما يضر نفسه أو يضر غيره؛ يعني ألا يكون سبباً في إيقاع الضرر على غيره بأي وجهٍ من الوجوه، فكما أنه ليس بمشروعٍ من جهة الله -عزوجل- فالواجب على العبد أن يطبق ذلك وألا يقدم على إيقاع الضرر.
أما قوله ﷺ: « ولا ضِرار » فمعنى ذلك أن الإنسان إذا كان قد اعتُدي عليه بأي وجه من وجوه الاعتداء، وأراد أن يأخذ حقه، فإنه يأخذ مقدار ما اعتُدي عليه إلا إذا كان الاعتداء على عرض مثلاً، أو إذا كان الاعتداء على ما لا يمكن أخذ بدله ولكن فيه عقوبة، فهذا يُرجع فيه إلى القضاء الشرعي، لكن عندما يستقل هو بأخذ حقه في الأمور التي يجوز له الاستقلال فيها، أو يطالب أيضاً بها، فإنه لا يجوز له أن يأخذ أكثر من حقه، ويبين ذلك قوله -جل وعلا-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[2]، ويقول -جل وعلا-: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[3]، فلا يجوز للإنسان أن يأخذ إلا بمقدار حقه.
وبناء على هذا يتبين أن الفرق بين الضرر والضرار هو:
أن لا ضرر: يعني منعه ابتداء، وأن لا ضرار: نهي عن المجاوزة، عن مجاوزة الحق الذي هو مشروعٌ للإنسان، وبالله التوفيق.