Loader
منذ سنتين

كيف السبيل إلى ضبط القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية؟ وما المنهجية في ذلك؟ وأفضل الكتب


الفتوى رقم (12349) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: كيف السبيل إلى ضبط القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية؟ وما المنهجية في ذلك؟ وأيضاً حدثونا عن أفضل الكتب في هذا الباب.

الجواب:

إذا نظرنا إلى القرآن ونظرنا إلى السنة وجدنا أن هذه الشريعة مبنية على قواعد، وأن هذه القواعد مستمدّة من أدلة القرآن ومن أدلة السنة.

والوسيلة التي تُستخرج بها هذه القواعد تتكون من اللغة العربية ومن أصول الفقه، ومن ملاحظة مقاصد الشريعة وبدون استخدام هذه العلوم لاستخراج القواعد وكذلك استخراج الفروع التي دلت عليها أدلةٌ من القرآن ومن السنة. استخراج هذه القواعد واستخراج هذه الفروع بدون استخدام هذه العلوم فإن المستخرِج لا يثق لاستخِراجه ولا يُوثق باستخراجِه أيضاً.

وإذا نظرنا إلى القواعد الفقهية وجدنا أنها مستخرجة من القرآن ومن السنة. والعلماء السابقون فتح الله عليهم باستخراج هذه القواعد وصياغتها.

فعلى سبيل المثال: إذا نظرنا إلى قاعدة عامة من القواعد الفقهية وهي قاعدة (الأمور بمقاصدها)، فإننا نجد أن هذه القاعدة يندرج تحتها من الفروع الفقهية ما لا يُحصى، ونجد -أيضاً- في القرآن وفي السنة أدلة تكونت منها هذه القاعدة، فمثلاً قول الله -سبحانه وتعالى-: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}[1]، والآيات في هذا المقام كثيرة. ومن أدلة السنة قول الرسول ﷺ: « إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ».

وفيه قاعدة أخرى وهي قول الفقهاء: (المشقة تجلب التيسير). وإذا نظرنا إلى هذه القاعدة وجدنا أن فروعها من حيث أصل التشريع؛ وكذلك من ناحية التطبيق في باب الرخص لا تحصى.

وإذا نظرنا إلى الأدلة التي تكونت منها هذه القاعدة وجدنا أنها كثيرة في القرآن وكذلك في السنة. فمثلاً قول الله -جل وعلا- -وهي أبلغ آية جاءت في القرآن في هذا المقام- قوله الله -جل وعلا-: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[2]، وقوله -جل وعلا-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[3]، و{لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[4]، {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}[5]. وقوله ﷺ: « مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ »، وكذلك قوله ﷺ « صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْب ».

أنا غرضي من هذا الكلام هو: أن طالب العلم يتنبه إلى أدلة القرآن وإلى أدلة السنة التي تدل على القواعد.

أما بالنظر للكتب فالكتب المؤلفة كثيرة، وكل مذهب من المذاهب الأربعة له كتب في القواعد، وهذه القواعد التي دوّنها العلماء السابقون منها ما يرجع إلى دليل يمكن أن تستنبط من دليل خاص، أو من أدلة تتكون من جملة من أدلة، وقد تكون القاعدة مستنبطة بطريقة اجتهادية من عموم مقاصد الشريعة.

وبالنظر إلى الكتب المؤلفة بإمكان طالب العلم أن يذهب إلى مؤسسة الملك فيصل -رحمه الله-، أو مكتبة الملك فهد -رحمه الله-، ويطلب منهم قائمة في بيان القواعد الفقهية في كل مذهب من المذاهب الأربعة، فهي مدونة عندهم وليس الذي عندهم حاصر لجميع ما كتب في القواعد؛ ولكنه يكون لطالب العلم مرحلة ابتدائية للدخول في هذا الموضوع؛ هذا من جانب.

وفيه جانب آخر وهو أن طالب العلم من ناحية وضع فهمه للقواعد -سواء كانت القواعد الأصولية، أو كانت القواعد الفقهية- وضعها في ذهنه هذا يحتاج إلى أن توضع على وجه سليم، واكتفاء طالب العلم في فهمه هو، ووضع هذا الفهم في فكره إذا احتاج إليه يستعيده وهو ليس بمتمكن التمكن الكافي لفهم الأدلة من القرآن وفهم الأدلة من السنة التي تكّون هذه القاعدة؛ فأنا أنصحه أن يرتبط بعالم في هذين العلمين علم أصول الفقه وعلم قواعد الفقه.

أما بالنظر إلى علم مقاصد الشريعة، فإن إمام المقاصد هو الشاطبي -رحمه الله- وضع في كتابه (الموافقات) قسماً كاملاً يتعلق بالمقاصد، وقد بنى هذا القسم على أمرين:

الأمر الأول: يتعلق بمقاصد الشارع. والأمر الثاني: يتعلق بمقاصد المكلف.

        ومقاصد الشارع تطرق إليها من أربعة وجوه:

الوجه الأول: تطرق إلى مقاصد الشارع من جهة قصده في وضعه الشريعة، وهذا القسم يمكن أن يخدمه جميع ما كتب في حكمة التشريع يستعان بها؛ وكذلك ما كتب في المقاصد أخيراً؛ لأن الذين كتبوا في المقاصد كتبوا فيها من جهة هذا الوجه.

الوجه الثاني: تطرق إلى مقاصد الشريعة من جهة من يدخل تحت دلالة الأدلة من المكلفين.

والوجه الثالث: تطرق إلى ما يدخل تحت دلالة الأدلة من المسائل، أو من القواعد الفقهية، أو ما إلى ذلك.

الوجه الرابع: تطرق إلى الوسائل المستخدمة لفهم هذه الوجوه الثلاثة، وهذا الرابع أوصى بالعناية في علم اللغة، وعلم اللغة هو علمها من جهة دلالتها وضعاً ودلالتها استعمالاً؛ وكذلك من جهة التصريف والاشتقاق، وكذلك من جهة علم النحو، وكذلك من جهة علم البلاغة والبيان والبديع والمعاني.

فطالب العلم هو محتاج إلى أن يعتني بالوسائل التي يستعين بها على فهم أدلة التشريع.

ومما يؤسف له أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم هم ينتسبون إليه ويحبونه؛ ولكنهم يريدون أن يحصلوا عليه دون تعلم الوسائل التي توصلهم إلى هذه الغاية التي يريدونها. وتركهم لها إما من ناحية عدم العلم بأنها تؤدي إلى هذا الغرض، أو من جهة العجز؛ لأن بعض طلبة العلم يُريد أن يتحصل على شيء من العلم دون أن يكلف نفسه. وبالله التوفيق.



[1] الآيات (18-21) من سورة الإسراء.

[2] من الآية (6) من سورة المائدة.

[3] من الآية (286) من سورة البقرة.

[4] من الآية (152) من سورة الأنعام.

[5] من الآية (233) من سورة البقرة.