Loader
منذ سنتين

هل لطالب العلم أن يترك حفظ القرآن؟


الفتوى رقم (12434) من المرسل السابق، يقول: هل لطالب العلم أن يترك حفظ القرآن؟

الجواب:

القرآن هو كلام الله -جل وعلا- وهو حجته على خلقه من الجن ومن الإنس إلى أن تقوم الساعة، ومن خصائص هذا القرآن الكمال والعموم؛ وكذلك اليسر والسهولة والعدل والإحسان؛ إلى غير ذلك من الخصائص التي دل عليها القرآن. والقرآن يشتمل على ما يزيد عن ثلاثمائة ألف حرف. وقراءة القرآن كل حرف فيه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. والإنسان على حسب ظروفه.

والذي أنصح به هو أن الشخص يجمع بين قراءة القرآن وفهمه، وإذا كان يستطيع أن يحفظ القرآن فإنه يجمع بين حفظ القرآن وبين فهمه؛ لأن فهمه لا شك أنه مطلوب فأنت تقرأ كثيراً من الآيات تمر عليك ولكنك لا تدرك المعنى الذي أراده الله -جل وعلا-.

وفيه طريقة يمكن للشخص أن يسلكها وهي تسهّل عليه الجمع بين فهم القرآن وبين حفظه، وهذه الطريقة هي:

أنك تحدد الآيات التي تُريد أن تحفظها، وأن هذه الآيات تشتمل على موضوع واحد، وتستعين ببعض التفاسير التي يعتني أصحابها بتحديد هذه الآيات، ثم بعد تحديد الآيات تنظر فيما اشتملت عليه هذه الآيات من المفردات، وتفهم معاني هذه المفردات من جهة اللغة ومن جهة الشرع، وتستعين بالكتب التي أُلفت في بيان معاني مفردات القرآن، ثم بعد ذلك تنظر في هذه الآيات من ناحية سبب النزول، وتنظر فيها من ناحية النسخ؛ يعني: هل هي محكمة أم دخلها النسخ؛ وكذلك من جهة المشكل من ناحية التلاوة؛ لأن القرآن فيه آيات يشبه بعضها بعضاً؛ يعني: تشتبه على التالي؛ كقوله -جل وعلا-: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}[1]، {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[2]، {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ}[3]، {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}[4]، ومثل: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا}[5] {أَفَلَمْ يَسِيرُوا}[6]؛ إلى غير ذلك.

وفيه كتب مؤلفة في هذا الموضوع؛ وكذلك ما تشتمل عليه الآيات من المشكِل المعنوي، وذلك أن القرآن يشتمل على آيات عندما تجمعها يحصل عندك إشكال فيها، ومن أمثلة ذلك قول الله -جل وعلا-: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[7] وقوله -جل وعلا-: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[8]، مع قوله -جل وعلا-: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[9].

وفيه كتب مؤلفة في تأويل مشكِل القرآن بالإمكان أن الشخص يبحث عنها، وهي موجودة مطبوعة ومتيسرة في المكتبات.

ثم بعد ذلك ينظر في هذه الآيات من جهة علامات الوقف؛ لأن علامات الوقف موضوعة بحسب معاني هذه الجمل، فيفهم معاني هذه الجمل على حسب علامات الوقف. ومما يساعده على ذلك تفسير ابن جرير الطبري.

بعد ذلك ينظر في هذه الآيات من جهة علاقة الجمل بعضها ببعض، وعلاقة الآيات بعضها ببعض؛ وكذلك علاقة السور وعلاقة الموضوعات بعضها ببعض، وهذا ما يسمى بعلم المناسبة. وفيه كتب متوفرة وموجودة في المكتبات في تناسب الآي والسور.

بعد ذلك ينظر في هذه الآيات من جهة المعنى العام لها. وبإمكانه أن يستعين بتفسير الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- أو غيره من كتب التفسير؛ مثل: تفسير ابن جرير الطبري.

وإذا انتهى من ذلك فإنه يرجع إلى هذه الآيات من جهة معرفة ما اشتملت عليه من الأحكام، ويستعين بكتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وأحكام للقرآن لابن العربي، وأحكام القرآن للشافعي، وأحكام القرآن للكيا الهراس، وغير ذلك من كتب الأحكام.

بعد انتهاء هذه المراحل بإمكانه أن يحفظ الآيات على حسب قدرته؛ لأن بعض الناس يردد الآيات مرتين أو ثلاثاً ويحفظها، وبعض الناس يحتاج إلى ترديدها أكثر من عشر مرات أو عشرين مرة. وعلى كل حال فكل شخص بحسبه. وبهذه الطريقة يكون الشخص قد جمع بين فهم القرآن أولاً ثم حفظه ثانياً. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (173) من سورة البقرة.

[2] من الآية (3) من سورة المائدة.

[3] من الآية (14) من سورة النحل.

[4] من الآية (12) من سورة فاطر.

[5] وردت في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم وأولها في الآية (9) من سورة الروم.

[6] وردت في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم وأولها في الآية (109) من سورة يوسف.

[7] الآية (24) من سورة الصافات.

[8] الآية (6) من سورة الأعراف.

[9] الآية (39) من سورة الرحمن.