Loader
منذ سنتين

يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان الذي لا يذكر الله؟ كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان؟


  • فتاوى
  • 2022-02-11
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11282) من المرسل أ. أ من البحرين، يقول: يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[1] كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان الذي لا يذكر الله؟ وهل كلّ إنسان له قرين؛ سواء كان ذاكراً لله، أو ليس بذاكر؟ وهل القرناء من الشياطين يمكن أن يكونوا من المسلمين؟

الجواب:

        يقول الرسول ﷺ: « ما منكم من أحد إلا ومعه شيطان، قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ».

        فكلّ واحد من بنى آدم معه شيطان، وهذا الشيطان يشتغل مع ابن آدم في أمرين:

        أما الأمر الأول: فهو أنه يصرفه عن الخير من جهة أصله، أو من جهة كيفيته، أو من جهة كميته، أو من جهة مكانه، أو من جهة زمانه.

        فمثلاً: إنسان لا يصلّي أصلاً هذا من الشيطان وقد صرفه عن الأصل.

        أو يصلّي ولكنه يخفف صلاته تخفيفاً لا يجعلها صحيحة؛ فهذا من جهة الكيف.

        وقد يجعله يصلّي بعض الأوقات ولا يصلّي بعض الأوقات؛ فهذا من جهة الكم.

        ومن جهة الزمان بعض الناس إذا جاء من الدوام وتغدى قبل صلاة العصر نام ووقّت الساعة على ما بعد العشاء، لا يصلّي العصر، ولا يصلّي المغرب، ولا يصلّي العشاء. إذا استيقظ يمكن أنه يصلّي هذه الصلوات. هو صلّى العصر في غير وقتها، وصلّى المغرب في غير وقتها، وصلّى العشاء في وقتها؛ هذا إذا صلّى. وفيه من يؤقت الساعة في الليل على وقت ذهابه إلى العمل، فهذا صرفه الشيطان عن أداء صلاة الفجر مع الجماعة في وقتها، فجعله إن قام الساعة السابعة إن صلّى.

        ومن جهة المكان تجد بعض الناس يقول: لا حاجة إلى أني أصلّي مع الجماعة. أنا أصلّي في البيت ويكفيني درجة؛ لأن صلاة الإنسان مع الجماعة تفضل على صلاته في بيته بسبع وعشرين درجة؛ هذا بالنظر للفرائض. أما النوافل فصلاة الرجل في بيته النوافل أفضل من صلاته في المسجد.

        هذا بالنظر إلى عمل الشيطان مع الإنسان في باب الأمر.

        وأما الأمر الثاني: عمل الشيطان مع الإنسان في باب النهي، فإنه يحمله على ارتكاب المحرمات بدءاً من الشرك الأكبر النفاق الأكبر بجميع أنواعه، والكفر الأكبر بجميع أنواعه، أو النفاق الأصغر أو الكفر الأصغر؛ أو يجعله يفعل صغائر الذنوب ولكنه يصر عليها.

        فالمقصود أن عمل الشيطان مع ابن آدم هو عبارة عن إضلال للإنسان عن طريق الحق، ولهذا يقول هو لربه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}[2]. وفي آية أخرى يحكي الله عنه: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[3]؛ يعني: يجعلهم فوق الحنك الأسفل وتحت الحنك الأعلى، ويلوكهم كما يلوك الإنسان الطعام؛ بمعنى: إنه يتصرف فيهم. فقوله -جلّ وعلا-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)}[4]. فكلما أوغل في طاعة الشيطان قوى سلطان الشيطان عليه. فكلما تساهل في واجب من الواجبات، أو تساهل في ارتكاب محرم من المحرمات؛ فإن الشيطان يقوى سلطانه عليه. وكلما تمادى في ذلك أعرض الله عنه كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}[5] هذا من جهة الإنعام، ينعم الله عليه لكن نسوا الله. وفي الموضع الآخر: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[6]؛ يعني: إن الله -سبحانه وتعالى- تركهم وترك الشيطان يتصرف فيهم كيف شاء؛ لأنهم صاروا من أوليائه. والله -جلّ وعلا- يقول: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}[7]. وإذا جمع الله أهل النار في النار خطب فيهم الشيطان، وهي قوله -تعالى-: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[8].

        وبناء على ذلك كله:

        فعلى الإنسان ألّا يكون من أولياء الشيطان؛ لأنه بمجرد أي معصية فإنه يكون ولياً للشيطان بهذه المعصية. وعليه أن يكون مطيعاً لله -عزوجل- يفعل ما أمره به وينتهي عما نهى الله عنه. وبالله التوفيق.



[1] الآية (36) من سورة الزخرف.

[2] الآيتان (82-83) من سورة ص.

[3] من الآية (62) من سورة الإسراء.

[4] من الآيتين (36-37) من سورة الزخرف.

[5] من الآية (44) من سورة الأنعام.

[6] من الآية (67) من سورة التوبة.

[7] من الآية (257) من سورة البقرة.

[8] الآية (22) من سورة إبراهيم.