Loader
منذ 3 سنوات

حكم البكاء على الميت


  • الجنائز
  • 2021-09-23
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1739) من مُرْسِلة لم تذكر اسمها، تقول: فقدت ابناً لي في حادثٍ أليم، وترك أطفالاً صغاراً، وهو لا يزال في مقتبل العمر، ولقد صبرت كثيراً على قضاء الله وقدره؛ ولكني في بعض الأحيان أضطر للبكاء، فما الحكم؟ وهل صحيحٌ أن البكاء على الميت؛ وخصوصاً بكاء الوالدين لا يُريحه في قبره؟

الجواب:

هذه المسألة من المسائل التي تتعرض الإنسان في حياته، والله -جلّ وعلا- يبتلي عباده بما شاء؛ ليختبرهم. ويبتلي كل شخصٍ بحسبه، فبعض النّاس يبتليه بالسراء، وبعض الناس يبتليه بالضراء، وبعض النّاس يبتليه بالصحة، وبعض النّاس يبتله بالمرض، وبعضهم يبتليه بالغنى، وبعضهم يبتليه بالفقر، وبعضهم يبتليه بفقد ابنه أو ابنته او زوجته، أو ما إلى ذلك.

        والطريقة التي ينبغي للمسلم أن يسلكها في هذا الباب: أن يحقق قوله ﷺ:« عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كلّه خيرٌ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له »[1].

فبالنسبة للمرأة السائلة ومن وقع عليه ما يماثل مسألتها، عليهم أن يصبروا ويحتسبوا الأجر من الله -جلّ وعلا-، والصبر يكون عند الصدمة الأولى، فقد « رأى النبي -صلوات الله وسلامه عليه- امرأة تبكي عند قبر ابنها فجاء إليها وبيّن لها أن هذا العمل لا يجوز، فالتفتت إليه وهي لا تعرفه فقالت له: إنك لم تصب بمصيبتي، فذهب عنها الرسول ﷺ وكان أحد الصحابة عندها: رأى الرسول عندها، فجاء إليها عند القبر فسألها: ماذا قال لك الرجل الذي وقف عندك؟ فأخبرته بما قال لها وبما أجابته به، فقال لها: ذاك رسول الله ، فدهشت عن ولدها، وأسرعت وتبعت الرسول -صلوات الله عليه وسلامه عليه- فقالت له: الآن أصبر، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى »[2].

فعلى الإنسان إذا وقع عليه شيءٌ من هذه الأمور أن يؤسس نية الاحتساب من البداية، وليعلم أن جميع ما يفعله من عدم الصبر، وما يترتّب على ذلك من الأمور التي تحصل منه لن تردّ ما فات، فمن مات له ميت وحصل عنده جزعٌ وما إلى ذلك؛ فإن هذا لا يرد هذا الميت. صحيح أن الشخص قد تدمع عينه، وقد يحصل عنده خشوعٌ وهدوء في جسمه وفي قلبه؛ ولكنه لا يفعل ما لا يُرضي الله -جلّ وعلا- ، والرسول -صلوات الله وسلامه عليه- حينما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه، فقال ﷺ:« العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإن بفراقك يا إبراهيم لمحزونون »[3]، وهذا من الرحمة التي جعلها الله -جلّ وعلا- في قلوب من شاء من عباده، فإن بعض الناس قد تكون عنده الرحمة، وبعض الناس لا تكون عنده الرحمة في قلبه، ولهذا لما جاء رجلٌ إلى الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وراءه يقبّل ابن ابنته فقال له الرجل: لي عشرةٌ من الولد ما قبّلت واحداً منهم، فقال له الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-: « من لا يَرْحم لا يُرحَم »[4]، فبعض الناس تكون الرحمة منزوعة منهم، ولا يحصل عندهم رحمةٌ إذا مات ميتٌ؛ فضلاً عن أن يكون عندهم نياحة أو ما إلى ذلك.

 والمشروع في هذا الباب: أن الشخص يتقيّد بما ورد في الأدلة من ذلك، فلا يتجاوز هذه الأدلة الدالة على المشروعية؛ لأنه إذا تجاوز ذلك، فلن يحصل له ما تسخّط منه. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير(4/2295)، رقم (2999).

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور(2/79)، رقم(1283).

[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: « إنا بك لمحزونون » (2/83)، رقم(1303).

[4] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته(8/7)، رقم (5997)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب رحمته ﷺ الصبيان (4/1808)، رقم(2318).