Loader
منذ 3 سنوات

حججنا وغادرنا إلى جدة من منى في ثاني أيام العيد، ووكلنا ولي الأمر رمي الجمار لشدة الزحام، والمغادرة قبل غروب الشمس ولم نطف للوداع فما الحكم الشرعي في ذلك؟


الفتوى رقم (6470) من مرسلة لم تذكر اسمها، تقول: حججنا بحمد الله في عامٍ مضى، وعرضت لنا بعض الأمور أعرضها على أصحاب الفضيلة، غادرنا إلى جدة من منى في ثاني أيام العيد بدون رمي الجمرات، ووكلنا ولي الأمر لشدة الزحام في تلك الحجة، وكانت المغادرة قبل غروب الشمس ولم نقم بطواف الوداع فما الحكم الشرعي في ذلك، وماذا علينا الآن؟

الجواب:

        هذا السؤال مجملٌ، وتفصيل ذلك أن هذه المغادرة قد تكون في يوم العيد بعد رمي جمرة العقبة، وعلى هذا الأساس يكون قد بقي عليهم مبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر في حالة التعجل، وليلة الثالث عشر في حالة عدم التعجل، وبقي عليهم رمي اليوم الحادي عشر والثاني عشر بالنسبة للتعجل، والثالث عشر بالنسبة لعدم التعجل، فإذا كان ذلك كذلك فعليهم فدية من ناحية الرمي، وفدية من ناحية ترك المبيت، وفدية من ناحية طواف الوداع، فكلّ واحد منهم عليه هذه الأفدية، والفدية ما يجزئ أضحية، وإذا تعذر عليه ذلك فإنه يصوم عشرة أيام عن كلّ فدية.

        وإذا كان المقصود من السؤال أنه حصل السفر من منى يوم الثاني عشر فيكون قد حصل المبيت وحصل رمي اليوم الحادي عشر. واليوم الثاني عشر حصل منهم توكيل، وهو يقولون بسبب الزحام، والحقيقة أنه ليس فيه زحام، ففي اليوم الثاني عشر بعد صلاة العصر يكون المرمى خفيفاً. وبناءً على ذلك فهذا التساهل لا يجوز لهم؛ لأن العبرة في الاحتجاج بالزحام إذا كان الوقت الذي شرع فيه الرمي لا يتمكن الشخص من الرمي فيه لعدم قدرته على ذلك؛ ولكن العجلة هي التي جعلتهم يسلكون هذا المسلك، فعليهم فدية بالنظر إلى اليوم الثاني عشر-لأنها ثلاث جمار- وعليهم فدية ترك طواف الوداع. وبهذه المناسبة فمن الأمور الملاحظة على كثيرٍ من الحُجاج أنهم يتقيدون بالوقوف بعرفة وقد يكون وقوفهم بعرفة في ليلة العيد، ولا يتقيدون بالمبيت بمزدلفة، ولا بالمبيت بمنى، ولا بالرمي، فبعضهم يُسافر إلى جدة وإذا جاء بعد العشاء مشى من جدة وجاء إلى منى وجلس ساعة ثم رمى في الليل وذهب إلى جدة. والواقع أن هذا مُخالفٌ لهدي الرسول ﷺ، فقد حج ﷺ حجة الوداع وكان في كثيرٍ من مواقفه في الحج يقول لأصحابه: « خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا » ، والشخص عندما يريد أن يُقدم عملاً لله -سواءٌ كان هذا العمل قولياً، أو كان العمل فعلياً، أو كان العمل قلبياً، أو كان هذا العمل مالياً- فإن هذا العمل الذي يقدمه يحتاج إلى التأكد من سلامته؛ وذلك من أجل براءة ذمته، والثواب عليه إذا كان من الأمور الواجبة عليه. أما إذا كان من الأمور المسنونة فإنه يتأكد من سلامته وذلك من أجل أن يُثاب عليه، فليست العبرة فيما يقدمه الإنسان من مالٍ، أو من قولٍ، أو من فعلٍ، أو من عمل قلب؛ ليست العبرة بأن يفعل هذا الشيء؛ وإنما العبرة بأن يكون هذا العمل أو هذا القول أو هذا المال أو هذا القصد يكون مقبولاً عند الله -جل وعلا-. ولا يكون مقبولاً عند الله -جل وعلا- إلا إذا كان موافقاً لما شرعه الله -جل وعلا-، فإن العمل يحتاج إلى الإخلاص من جهة، ويحتاج إلى المتابعة من جهةٍ أخرى. والمقصود من المتابعة -هنا- أن يكون على وُفق ما شرع الله -جل وعلا-، ومن جهة القصد يكون خالصاً لوجه الله -جل وعلا-، فإذا كان العمل خالصاً لوجه الله -جل وعلا- وكان موافقاً لما شرعه الله -جل وعلا-، فالله I كريمٌ يقبل هذا العمل. أما أن الإنسان يؤدي العمل تأديةً صوريةً وقد يُخل بشيءٍ من أركانه، أو بشيءٍ من شروطه، أو بشيءٍ من واجباته ويكون متعمداً؛ فإذا أخلّ بشيءٍ من أركانه فإن هذا العمل ليس بصحيحٍ من أصله، وإذا أخلّ بشيءٍ من شروطه أو أخلّ بشيءٍ من واجباته، وكان هذا الذي أخلّ به قد شرع له بدل من الأبدال فإن هذا البدل يقوم مقامه. والمقصود هو أن كثيراً من الناس يحجون اسماً لا حقيقة، فعلى الشخص إذا تلبس بالحج أو تلبس بالعمرة فإنه يؤدي كلاً منهما على الوجه الأكمل. وبالله التوفيق.