Loader
منذ سنتين

من أراد أن يقي نفسه وأهله فهل من سبل وطرق لذلك؟


  • فتاوى
  • 2022-02-07
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (10776) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: قول الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[1] من أراد أن يقي نفسه وأهله فهل من سبل وطرق لتحقيق وقاية نفسه أحسن الله إليكم؟

الجواب:

        هذه وصية من وصايا الله -جل وعلا- لعباده، وهذه الوصية مشتملة على أمور:

        الأمر الأول: وصية للشخص في حد ذاته، وهذه الوصية هي أمره بتقوى الله -جل وعلا-؛ لأن قوله: قُوا أَنْفُسَكُمْ؛ يعني: اجعل بينك وبين غضب الله وقايةً تقيك منه، وهذه الوقاية هي امتثال أمر الله -جل وعلا-، واجتناب ما حرم الله -جل وعلا- وذلك في حدود ما وُجّه إلى الشخص من أمر يخصه أو من نهيٍ يخصه. ولا أقصد بكلمة الخصوص أنه دون النّاس؛ لأن فيه أوامر تتعلق بمسؤوليات الأشخاص، وفيه بعض الناس يتوجه إليه الأمر بالفعل فقط.

        مثلاً: الأمر بالصلاة يكون أمراً للشخص بأن يأتي بالصلاة على الوجه الشرعي؛ لكن بالنظر إلى الإمام في الصلاة هذا كما أنه يقوم بالمسؤولية القاصرة فكذلك هو يقوم بالمسؤولية المتعدية؛ يعني: بصفة كونه إماماً،فيأتي بالصلاة على وجهها، ويأتي بالإمامةِ على وجهها.

         وهكذا بالنظر إلى سائر الأوامر والنواهي؛ لأن الواجب في الشريعة واجب عينٍ وواجبٌ على الكفاية؛ هذا هو الأمر الأول.

        الأمر الثاني: قوله -جل وعلا-: وَأَهْلِيكُمْ، هذا فيه بيان أن صاحب البيت راعٍ، وقد قال ﷺ: « والرجل راعٍ في بيته ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها ».

        فبما أنه راعٍ فهو مأمور بأن يتعلم المسؤولية الملقاة على عاتقه من جهة مَن عنده في البيت، ومأمور بأن يعلمهم، ومع ذلك إذا كان الأمر مما يخصه هو يشترك معهم فيه فإنه يعمل أيضاً؛ لكن يستعمل الحكمة؛ لأن الله -تعالى- يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[2].

        فإن تربية الأولاد على ما يرضي الله -جل وعلا -كما أنها تحتاج إلى المادة فهي كذلك تحتاج إلى الحكمة، وذلك أن بعض الآباء قد يستعمل مع أولاده أساليب الإحباط من الأقوال ومن الأفعال ومن التقتير في المال، ومن المضايقة؛ يعني: يضايقهم من ناحية المكان؛ مثل: بعض الأشخاص يطرد ولده عن بيته! فلا بد من تجنب جميع أساليب الإحباط. وضابطها هي الأساليب التي تنشئ عند الشاب رد فعل؛ بمعنى: إنه يعاملك بعكس ما تريده منه، فيتجنب الأقوال البذيئة والأفعال البذيئة، ومضايقته أيضاً في البيت؛ وكذلك من ناحية عدم اضطراره إلى أن يأخذ نقوداً من أشخاص آخرين، فإن هذه الأمور إذا تجنبها الإنسان فإنه يكون قد سلك مسلك أساليب التشجيع؛ بمعنى: إنك تأتي بأقوال وأفعال تسر هذا الولد، وهي مطابقة لشرع الله -جل وعلا- ولا تُضايقه في بيتك، ولا تقتر عليه من ناحية المال. وهذا كما أنه للأولاد فكذلك بالنظر للزوجة.

        فعلى هذا الأساس إذا سلك الإنسان هذا المسلك في نفسه وسلكه في أهل بيته وتحقق قول الله -جل وعلا-: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[3]؛ لأن من القواعد التي جاءت في القرآن أن الله -سبحانه وتعالى- يذكر الأسباب ويرتب على هذه الأسباب المسبَّبات، ولا فرق في ذلك بين الأسباب التي تكون كونية والأسباب التي تكون شرعيةً. فمثلاً قوله -تعالى-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[4]،{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا}[5].

        فبناءً على ما سبق: فإن الله -سبحانه وتعالى- ذكر السبب وذكر المُسبب، فالسبب هو أن تجعل بينك وبين غضب الله وقاية بالنسبة لك وبالنسبة لأهلك، وإذا تحققت هذه الوسيلة فإنه يترتب عليها المسبب وهو نجاتك ونجاة أهلك من النار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[6] كل هذا راجع إلى النتيجة المترتبة على المخالفة، فإذا حصلت المخالفة ترتبت هذه العقوبة. وإذا أخذ بهذه الوصية فإن هذه الغاية التي ذكرها -هنا- لا تكون مترتبة على السبب؛ وإنما يترتب الجزاء، فهذه العقوبة مرتبة على المخالفة. وإذا امتثل الإنسان الأمر واجتنب النهي فإن الله -سبحانه وتعالى- يجازيه بالجنة هو وأهله بدلاً من الجزاء في النار. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (6) من سورة التحريم.

[2] من الآية (125) من سورة النحل.

[3] من الآية (6) من سورة التحريم.

[4] من الآية (38) من سورة المائدة.

[5] من الآية (2) من سورة النور.

[6] الآية (6) من سورة التحريم.