ما أسباب مغفرة الذنوب؟
- فتاوى
- 2022-02-22
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (10216) من المرسلة أ، من الجزائر تقول: ما أسباب مغفرة الذنوب؟
الجواب:
من المعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- أوجب على العبد أموراً فيما بينه وبين ربه، وفيما بينه وبين الناس؛ يعني: فيما بين العبد وربه، وما بين العبد وبين الناس، وما بين العبد وبين نفسه. وحرّم أموراً فيما بين العبد وبين ربه لأنها حقٌ لله -جل وعلا-، وفيما بين العبد وبين نفسه، وفيما بين العبد وبين الناس.
وبناءً على ذلك فإن الشخص عندما يمتثل الأمر فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين نفسه، وفيما بينه وبين الناس؛ وكذلك يمتثل للنهي فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين نفسه، وفيما بينه وبين الناس يكون قد استقام على دين الله -جل وعلا- كما قال -تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[1].
وعندما يرتكب الشخص ترك واجبٍ أو فعل محرمٍ، فترك الواجب ذنبٌ، وفعل المحرم ذنبٌ. والواجبات على مراتب فأعلاها توحيد الله -جل وعلا- بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته. والإتيان بأركان الإيمان، والإتيان بأركان الإسلام، وهكذا تكون مراتب الواجبات، ولهذا الرسول ﷺ قال: « الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ».
هذه الواجبات كما أنها متفاوتة فكذلك المحرمات متفاوتة، فأعلاها الشرك بالله -جل وعلا-؛ سواء كان الشرك في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. أو عمل الإنسان ما يجعله كافراً بأي درجةٍ من درجات الكفر، أو يكون منافقاً، أو يرتكب كفراً أصغر أو نفاقاً أصغر؛ هذه ذنوب وهي متفاوتة: ذنبٌ يخرج الإنسان عن دائرة الإسلام نهائياً، وذنبٌ لا يخرجه عن دائرة الإسلام ولكنه يكون كبيرة من كبائر الذنوب، فالشرك الأكبر بجميع أنواعه، والكفر الأكبر بجميع أنواعه، والنفاق الأكبر بجميع أنواعه هذا مُخرج للإنسان عن دائرة الإسلام. والشرك الأصغر هذا لا يخرج الإنسان عن دائرة الإسلام؛ لكن إذا مات الإنسان عليه فإنه لا يُغفر له؛ بل يؤخذ من حسنات صاحبه، أو يدخله الله النار ويطهره، وبعد ذلك يخرجه إلى الجنة. أما الشرك الأكبر والكفر الأكبر والنفاق الأكبر فإذا مات الإنسان على واحدٍ منها فإنه يكون خالداً مخلداً في النار.
وعلى هذا الأساس ينبغي أن يتنبه الإنسان لنفسه من جهة عدم وقوعه في الذنوب؛ يعني: يعرف ما أوجب الله عليه وما حرّم الله عليه من أي وجهٍ كان من الوجوه التي سبقت، فيعمل ما أوجب الله عليه، ويترك ما حرم الله عليه؛ لكن لو فرضنا أنه حصل منه شيء في ترك واجب أو فعل محرم ٍ فمن فضل الله وإحسانه وكرمه أن الله -جل وعلا- شرع أسباباً، وهذا من فضل الله ورحمته وبره لعباده. وأنا أذكر جملةً من هذه الأسباب:
السبب الأول هو: التوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهي مُسقطة للإثم فيما بين العبد وبين ربه؛ ولكنها لا تسقط حق المخلوق. فشروطها: الندم على فعل الشيء، والعزم على ألا يعود إليه، وقبل ذلك يقلع عن هذا الذنب؛ هذه شروطٌ مشتركة بين حق الله وحق العبد. وإذا كان الحق للعبد فإن كان مالاً رده على صاحبه، وإن تعذر عليه بأي وجهٍ من الوجوه تصدق به على نية صاحبه، وإن كان من عرضٍ فإنه يستبيحه. وإذا تعذر عليه ذلك فإنه يدعو له ويتصدق عنه بقدر ما يكفي لخروجه من عهدة هذا الحق؛ هذا هو السبب الأول.
السبب الثاني: كثرة الأعمال الصالحة، ولهذا يقول الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: « ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها... » إلى آخر الحديث.
والأعمال الصالحة منها ما يكون واجباً فيؤديه الإنسان، وهذا ليس موضعاً للكلام؛ ولكن الإكثار من الأعمال الصالحة؛ يعني: من النوافل: كثرة النوافل من الصلوات، كثرة النوافل من الصيام، كثرة النوافل من الصدقة، كثرة الذكر، دعاء العبادة، كثرة الذكر، وأفضل الذكر هو تلاوة القرآن. ويكثر الإنسان من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: « من قال في يوم ٍ وليلة: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ». وقال ﷺ: « من صلى عشر ركعاتٍ بين المغرب والعشاء بنى له الله بيتاً في الجنة »[2].
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على فضائل الأعمال؛ المهم هو أنه يكثر من فضائل الأعمال القولية والفعلية والمالية؛ هذا هو السبب الثاني.
السبب الثالث:أن الشخص يحصل عليه مصائب في الدنيا والله -تعالى- يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}[3]؛ فالمصائب التي تأتي الإنسان قد تكون تكفيراً لسيئاته، وقد تكون رفعةً؛ يعني: لا يكون عليه سيئات لكن تكون رفعةً في درجاته كما قال ﷺ: « إن الرجل لتكون له المنزلة في الجنة لا ينالها إلا على بلوىً تصيبه».
السبب الرابع: الأعمال التي تأتيه من الناس، وهذه الأعمال قسمان:
القسم الأول: ارتكاب المحرمات في حقه من غيبةٍ أو نميمةٍ ، أو غير ذلك من الأمور التي من هذا النوع.
القسم الثاني: الأعمال الصالحة التي يهدونها إليه؛ كما إذا أهدي للإنسان ثواب قراءة القرآن، أو دُعي له في ظهر الغيب؛ وهكذا وكذلك إذا تصدق وجاء الحديث: « إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولدٌ صالحٌ يدعو له، صدقةٌ جارية، علمٌ ينتفع به ». فهذا سبب من جهة الأعمال الصالحة التي تأتيه من الناس، أو الأشياء التي يعملها الناس هي ليست بطيبة في حقه لكنه يُثاب عليها.
السبب الخامس: ما يحصل على الإنسان في قبره.
والسبب السادس: هو ما يحصل للإنسان في مواقف يوم القيامة.
والسبب السابع: شفاعة الرسول ﷺ، أو شفاعة أحدٍ من أقاربه، أو إذا كان له أطفالٌ قد ماتوا.
السبب الأخير الذي هو ختام هذه الأسباب هو: رحمة أرحم الراحمين فوق ذلك كله، ولهذا يقول الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: « يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة »[4].
ومن المعلوم أن الله -جل وعلا- أرحم بالعبد من نفسه، وأرحم به من ولده ومن والديه. وبالله التوفيق.