Loader
منذ سنتين

حكم القات، وزراعتها، والمال العائد من زراعتها


الفتوى رقم (1853) من المرسل م. أ. م، من اليمن -الضالع، يقول: تحيةً طيبة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أرجو عرض رسالتي على أحد أصحاب الفضيلة العلماء وموضوعها: شجرة القات، هذه الشجرة التي يتعاطاها كثيرٌ من سكان اليمن، وهي تذهب الصحة وتفقد الشهية، وصاحبها أناني لا يفكر إلا في نفسه ويترك غيره، ويُذهب المال والوقت والعقل،كما أنها شجرةٌ تعرض عن ذكر الله، ومنعت باقي الأشجار أن تزرع، وأعني تلكم الأشجار التي للناس منها فائدة، مثل: الخضار والبن اليمني المعروف، والنخيل وغيرها،حيث تكاد زراعة الأشجار الأخرى تنقرض في منطقة الضالع من اليمن الجنوبي، ويعود السبب لذلك نتيجة الاعتناء بشجرة القات فقط، والعامة في بلاد اليمن يعظمون هذه الشجرة، خصوصاً العاملين بها ؛ لأنها كثيرة الإيراد قليلة التكاليف حسب زعمهم، ومن قال بأن هذه الشجرة حرام فهو عدوٌ لهؤلاء الناس، وحتى العارفين بشيءٍ من الفقه في اليمن، يزعمون أنها غير محرمة، ويأكلونها ويزرعونها،ويتعاملون بها بالبيع والشراء، والصدقة والحج.

حضرة الشيخ الجليل، هذه مقدمة عن شجرة القات،ولدي عدة أسئلة عليها كالتالي:

1 - بماذا توجه هذه الأمة حول هذه الشجرة وقد استحوذ عليهم الشيطان وأغراهم بكثرة مادتها وأنها غير محرمة؟

2 - ما نصيحتكم لزراع هذه الشجرة والمتعاملين بها؟

3- إذا أمر أبٌ ابنه بأن يزرع هذه الشجرة، ولكن رفض الابن ذلك، فهل يكون آثماً؟

4- هل يتم الحج والصدقة إذا كانت مصادرها من ثمن القات؟

فضيلة الشيخ أرجو إفادتي حول هذا الموضوع وجزاكم الله عنا خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب:

هذا سؤالٌ مهمٌ للغاية بالنظر لما يترتب على ما ذكره السائل من القات من النتائج التي تعود بالضرر على الفرد وعلى الأسرة وعلى المجتمع، والله جل وعلا قال في محكم كتابه:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"[1]، ووصف الشريعة بالكمال يدل على أنه لا يوجد شيءٌ من الأمور التي يحتاج إليها الناس في أمور دينهم وفي أمور دنياهم، إلا ولها أصلٌ في الشريعة من ناحية منعها إذا كانت ممنوعة، أو من ناحية مشروعيتها إذا كانت مشروعة، والرسول ﷺ قال: « الحلال بينٌ والحرام بينٌ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه،ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه... » الحديث.

ففي هذا الحديث بيان أن الحلال بيّن ، وأن الحرام بيّن ، وأن ما حصل فيه اشتباه فإن الشخص يبتعد عنه خشيةً من الوقوع في الحرام، وإذا نظرنا إلى هذه الشجرة، وهي شجرة القات،وجدنا أن علماء المسلمين قديماً وحديثاً، قد اعتنوا ببيان حكمها، وأنه التحريم، ففيه كتابات حتى من علماء اليمن من قدمائهم ومن غير علماء اليمن، تبين ما يشتمل عليه القات من الأضرار.

وفيه أيضاً من العلماء المعاصرين من اعتنى عنايةً فائقة، فأعد رسالة دكتوراه خاصة في موضوع القات، وهو أيضاً من أهل اليمن، وقد رأيتها، وتوصل إلى نتيجة وهي: أنه يجب منع زراعته والاتجار به،وتداوله، وذكر جملةً من الأضرار المترتبة عليه، وعقدت مؤتمرات بخصوص القات في دولٍ مختلفة، وجميع هذه المؤتمرات التي عقدت أعد فيها بحوث من جهاتٍ مختلفة اشترك فيها علماء من الشريعة الإسلامية، وعلماء من علماء الطب، وصيادلة، واشترك فيها علماء يتبعون الأمن الداخلي في وزارات الداخلية، وجميع هذه المؤتمرات توصلت إلى نتيجةٍ واحدة وهي: أن القات من ضمن المخدرات، يعني داخل في اسم المخدرات.

 وبناءً على هذه النتائج التي توصل إليها علماء لم يحصل بينهم تواطؤ وتواصل ؛ لأن أسماؤهم مختلفة وبلدانهم مختلفة، وتخصصاتهم مختلفة، ولكن بالنظر إلى أن الواقع من حياة الأشخاص الذين يستعملون، ومن واقع التحاليل التي أجريت،تحاليل المخبرية التي أُجريت في بلدانٍ مختلفة، لا شك أن هذا يعطي دليلاً قاطعاً يكون مناطاً للحكم الذي هو: التحريم، وعلى هذا الأساس يكون من جملة ما اشتمل على مفسدةٍ محضة أو مفسدةٍ راجحة، ولا شك أن هذا محرمٌ قطعاً،والله جل وعلا قال في سورة البقرة:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ"[2]، والمقصود بالمنافع هنا: بعض المصالح المالية، من الناحية التجارية، ولكن قال: وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ثم قال في نهاية الأمر:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[3] إلى آخر الآيات.

 فكأن ما فيه من النفع المادي الدنيوي، ليس بموجودٍ أصلا، وجعل الحكم للمفسدة الراجحة، والتحليل والتحريم من الله، وليس من البشر، والرسول صلوات الله وسلامه عليه مبلغٌ عن الله كما قال تعالى:" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى"[4]، ويقول في حقه:"وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)"[5] والله لا يقره على باطل.

فالمقصود أن التحليل والتحريم هو من الله - جل وعلا - في القرآن أو على لسان رسوله ﷺ من السنة، وأما التحليل والتحريم الذي يصدر من الناس، فإنه يعرض على كتاب الله وعلى سنة رسوله ﷺ.

 وهنا قاعدتان من قواعد الشريعة لهما تعلقٌ في هذا الموضوع وهو:

 أن قاعدة الشريعة في الأوامر أن الله لا يأمر إلا ما اشتمل على مصلحةٍ محضة،أو مصلحةٍ راجحة،وأنه لا ينهى إلا عن ما اشتمل على مفسدة محضة أو مفسدةٍ راجحة،وأن ما تساوى فيه جانب المصلحة وجانب المفسدة في نظر المجتهد، فإن من القواعد المقررة في الشريعة أن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح، وإذا وجدنا مسألةً من المسائل ولم نجد فيها أمرا خاصاً،ولم نجد فيها نهياً خاصاً،فإننا ننظر إلى ما اشتملت عليه من المصالح والمفاسد، فإن كانت مشتملةً على مفسدةٍ محضة أو مفسدةٍ راجحة ألحقناها بقاعدة النهي، وإن اشتملت على مصلحةٍ محضة أو مصلحةٍ راجحة، ألحقناها بقاعدة الأمر، وأما الذين يقولون إنه حلال،ويكون هدفهم من ذلك هو التسويق التجاري لهذا الأمر، فلا شك أن هذا خيانةٌ لله جل وعلا ولكتابه ولرسوله ولسنة رسوله ﷺ ، وخيانة أيضاً للأمة التي ائتمنت هذا الشخص أنه يكون عالماً، وحينئذٍ هو أمين على أن يبين العلم للناس على حسب ما تقتضيه قواعد الشريعة ولا يكون بيانه للشريعة مبنياً على ما تهواه نفسه،فقد ذمّ الله جل وعلا في القرآن اتباع الهوى.

وأما ما يتعلق بشجرة القات من ناحية الأضرار العقلية والنفسية والفكرية والجسمية والصحية وغير ذلك من الأضرار، فقد ذكر السائل جملةً منها،والذي أنصح به الأشخاص الذين لهم علاقةٌ بها، إما علاقة زراعة، وإما علاقة نقلٍ ؛ لأن فيه بعض الطائرات تنقل هذا الشيء أو على الإبل، أو على السيارات، وكذلك الذين يسوقونها هم السماسرة، وكذلك الذين يحفظونها في مستودعاهم لمن يشتريها،وكذلك الذين يستهلكونها، عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وعليهم أن يتقوا الله في وقتهم وفي أموالهم، وأولادهم ؛ لأن منهم من يسّخر ولده في طاعته في معصية الله جل وعلا.

وعلى الجهات المسؤولة أن تأخذ على أيدي هؤلاء، وأن تضع بديلاً عنه يحقق مصلحة محضة، أو يحقق مصلحةً راجحة للفرد وللأسرة والمجتمع، وبهذا تكون الجهة التي يوجد بها هذا الشيء، وقد استبدلته بما يحقق المصلحة،ويدرأ المفسدة، تكون هذه الدولة قد أدت الأمانة فيما بينها وبين الله جل وعلا، ووضعت بديلاً يدر الخير على أهل البلد وينشر الطمأنينة فيما بينهم ، ويقوي علاقات التآلف والتآخي بدلاً من الكسب الحرام، وحصول التقاطع فيما بينهم والتعاون على الإثم والعدوان، وأنه يجب على المسلم إذا أراد أن يحج أن يكون أو أن تكون نفقته من كسبٍ طيبٍ لا من كسبٍ خبيث، وبالله التوفيق.

المذيع: بالنسبة للصدقة هل يتصدقون من هذه الشجرة، وقد بينتم حكمها وحكم زراعتها والاتجار بها؟

الشيخ: الشخص إذا كان عنده مالٌ حرام وأخرجه، فإخراجه له لا يكون من باب الصدقة، يعني لا يثاب عليه ثواب الصدقة، ولكن إذا تكرم الله عليه وصار هذا الشخص قد تاب من هذا الطريق الذي كسب فيه هذا المال الحرام ، وأراد أن يخرج من عهدة هذا المال الحرام، وتصدق به، فإنه يكون خروجاً من العهدة ، ولا يثاب عليه ثواب الصدقة، ويكون هذا بمنزلة الإنسان الذي غصب أرضاً وكان في وسطها،وأراد الخروج منها، فخروجه هذا هو خروجٌ من الغصب، ولا يثاب عليه وبالله التوفيق.



[1] من الآية (3) من سورة المائدة.

[2] من الآية (219) من سورة البقرة.

[3]  الآية (90) من سورة المائدة.

[4]  الآية (3) من سورة النجم.

[5] الآيات (44-47) من سورة الحاقة.