Loader
منذ 3 سنوات

كيف يصلح المرء مابينه وبين الله


  • فتاوى
  • 2021-07-30
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (6743) من المرسلة السابقة، تقول: كيف يصلح المرء ما بينه وما بين الله؟ وكيف يصلح الله -جل وعلا- ما بين هذا المرء وبين الناس امتثالاً لقول النبي : « من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس »[1]؟ نرجو أن نفهم هذا الحديث من خلالكم أحسن الله إليكم.

الجواب:

        الإنسان له علاقةٌ فيما بينه وبين الله، وله علاقةٌ فيما بينه وبين نفسه، وله علاقةٌ فيما بينه وبين الناس، والعلاقة التي بينه وبين الله تكون علاقةً ظاهرة وتكون علاقةً باطنة، فالعلاقة الظاهرة هي أن يحفظ العبد ربه ظاهراً فيما أمره به وما نهاه عنه فيما هو حقٌ لله -جل وعلا- خالص، وفيما هو حقٌ للناس أو للنفس ظاهراً، ويترك ما حرّم الله -جل وعلا- فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس، وفيما بينه وبين نفسه، هذا من جهة الظاهر. وفيه جانبٌ آخر وهو من جهة الباطن لأن بعض الناس يحسّن ظاهره ولكن تكون سريرته سيئة! فعلى سبيل المثال يجتنب المحرمات فيما يظهر للناس، وإذا انفرد وصار لا يطلع عليه إلا الله فإنه يرتكب شيئاً من هذه المحرمات أو يترك شيئاً من الواجبات، وهذا لم يحفظ الله -جل وعلا- في السر. وكان المفروض عليه أن تكون سريرته متفقة مع علانيته تماماً؛ ولهذا قال -تعالى-: "إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"[2]، ومعنى بالغيب: إذا غاب عن أعين الناس فإنه يحفظ أوامر الله من جهة الفعل، ويحفظ نواهيه من جهة الترك؛ هذه خشية الله في الغيب.

        أما أن الإنسان تكون له سيرة ظاهرة مرضية للناس؛ سواءٌ فيما يتعلق بحق الله، أو فيما يتعلق بحق الناس، أو فيما يتعلق بحق نفسه؛ ولكنه إذا خلا فإنه ينتهك ما هو حقٌ لله، وما هو حقٌ لنفسه، وما هو حقٌ للناس، فهذا الرجل لم يصلح الذي بينه وبين الله في السر وإن أصلح ما بينه وبين الله في العلانية ؛ لأن من الناس من يصلح ما بينه وبين الله، وما بينه وبين نفسه، وما بينه وبين الناس يصلح أعماله الظاهرة، أو يُصلح نفسه باطناً وظاهراً. ومن الناس من يفسد نفسه ظاهراً وباطناً، ومن الناس من يصلح نفسه ظاهراً ولكنه يفسد نفسه باطناً، ومن الناس من يكون قصده حسناً ولكن أعماله لا تكون صالحةً.

        وبناءً على ذلك كله فإن الصلاح فيما بين العبد وبين الله هو صلاح العبد ظاهراً وباطناً باتباع أوامره واجتناب نواهيه، إذا أسّس هذا الأمر فإن الصلاح الذي يكون بينه وبين الناس هو نتيجة من نتائج الصلاح الذي بينه وبين الله؛ فالله سبحانه وتعالى يهيئ له ويهيئ -أيضاً- للناس الصلاح فيما بينه وبينهم وفيما بينهم وبينه، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا"[3]، فيجعل لكم فرقاناً هذا من نتائج التقوى. ويقول: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ"[4]، فالتعليم من الله نتيجة من نتائج التقوى ويقول: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"[5]، فقوله: يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا؛ يعني: من مضائق الأمور التي تحصل إليه. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ هذا من نتائج التقوى. ويقول -جل وعلا-: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"[6] فقوله: يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا هذا نتيجة من نتائج التقوى.

        وعلى هذا الأساس عندما يحصل بين العبد وبين زوجته أو أبيه أو أخيه أو ولده، أو يحصل بينه وبين أحدٍ من أقاربه، أو يحصل بينه وبين أحدٍ من الناس عدم صلاح؛ يعني: لم يصلح الذي بينه وبينهم؛ فعليه أن يتفقد نفسه تفقداً شاملاً، فيتحسّس المدخل الذي دُخل عليه من قِبله، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"[7]، فقوله: بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ هذا هو السبب، وقوله: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هذا هو المسبب.

        وبناءً على كل ما تقدّم فعلى الشخص أن يُصلح نفسه باتباع شرع الله -جل وعلا- وهذا سبب، ويكون من نتائج هذا السبب أن يصلح الله ما بينه وبين الناس، فكما أنه استقام أمره فيما بينه وبين الله فإن الله يقيم أمره فيما بينه وبين الناس. وهذا الحديث الذي ذكر في السؤال داخلٌ في أصلٍ عظيمٍ وهو قوله ﷺ: « احفظ الله يحفظك »، ومن وجوه حفظ الله للعبد أنه إذا أصلح حاله أصلح الله حاله بين الناس. وبالله التوفيق.



[1] لم أجد من خرجه مرفوعا، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عون (7/162)، رقم (34988).

[2] من الآية (12) من سورة الملك.

[3] من الآية (29) من سورة الأنفال.

[4] من الآية (282) من سورة البقرة.

[5] من الآيات (2- 3) من سورة الطلاق.

[6] من الآية (4) من سورة الطلاق.

[7] من الآية (41) من سورة الروم.