Loader
منذ 3 سنوات

حكم الإسراف في الأكل في حفلات الزواج


الفتوى رقم (754) من المرسل ع.م مقيم بالمملكة، يقول: ألاحظ من بعض أصدقائي سواء المواطنين أو المقيمين عند إقامة حفلات الزواج أو ما شابهها من الأفراح -يسرفون في الأطعمة التي تقدم للناس، وبعد انتهاء هذه الحفلات يأخذون الطعام الزائد ويرمونه في الشوارع أو محلات الفضلات المخصصة، فما رأي الشرع بذلك؟ وبم ينصح هؤلاء؟ وهل يعتبر هذا كفراً بالنعمة؟

الجواب:

هذه المسألة التي ذكرها السائل تنبه على ظاهرة من الظواهر الاجتماعية، ومع الأسف أن كثيراً من الأشخاص الذين يقيمون بعض المناسبات؛ كمناسبة زواج، هؤلاء لا يفكرون فيما يترتب على سوء تصرفهم من الآثام، هم قادرون على الإنفاق؛ ولكنه إنفاق فيه إسراف وتبذير، وجاءت الأدلة من القرآن دالة على أن الشخص يسلك مسلك الوسط في هذا الباب، يقول الله -جلّ وعلا-: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"[1]، وقال تعالى: "وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا"[2]، وقال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"[3].

فخير الأمور في هذا الباب هو الوسط، وهو أن الشخص لا يسلك مسلك التقتير ولا الإسراف.

وبناء على هذا فالأشخاص الذين يبذلون هذه الأموال للمباهاة والتفاخر، وبالتالي يأخذونها ويرمونها في المحلات القذرة؛ لا شك أنهم آثمون، وأن هذا كفر بنعمة الله، ويُخشى عليهم من العقوبة، فالشخص إذا كانت علاقته بالله تجري على استعمال الأسباب التي تجلب الخير، والموانع التي تمنع السوء، فالله يحقق له ما يريد فضلاً من الله ورحمة، وهذا مندرج تحت قوله تعالى: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ"[4].

فالشكر سبب من أسباب جلب النعم وزيادتها، وإذا جرى الإنسان على العكس من ذلك؛ بمعنى: إنه يستخدم الأسباب التي تجلب العواقب الوخيمة، ويستخدم الموانع التي تمنع الأشياء الطيبة؛ فإن الجزاء من جنس العمل، وهذا مندرج تحت قول الله: "وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"[5]، فالكفر بالنعم سبب من أسباب جلب النقم، والنقم التي يمكن أن تترتب على كفر النعمة يوقعها الله على الوجه المناسب، وفي المكان المناسب، وفي الظروف المناسبة، وعلى الشخص الذي يستحق ذلك.

فعلى العبد أن يشكر نعمة الله عليه، وأن يتقي الله فيما أنعم عليه من النعم؛ خشية أن يسلبها منه يصبح غنياً ويمسي فقيراً، ويمسي غنياً ويصبح فقيراً، يقول الله -جلّ وعلا-: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ"[6]، فالملك مدلوله عام، يكون من ذلك ملك المال فهو مالك لكلّ شيء، وهو الذي يفسر للناس الأسباب التي تجعلهم يملكون الأموال.

فالمقصود: أنه يجب على العبد أن يتنبه لهذا الأمر، وإذا أراد أن يعمل حفل زواج لابنه أو ابنته، فعليه أن يسلك مسلك الوسط، وإذا فضل شيء من النعم التي قدمها، فعليه أن يجتهد ويوصلها إلى مستحقيها، وهناك جهات عندها استعداد لقبول هذه الأشياء وتوزيعها على مستحقيها، فعلى العبد البحث عن هؤلاء من جمعيات خيرية، وفيها كفاية بأخذ هذا الشي وتوزيعه إذا لم يستطع ذلك.

وأحذّر هؤلاء من العقوبة الوخيمة التي تنتظرهم إذا استمروا على هذا الأمر. وبالله التوفيق.



[1] الآية (31) من سورة الأعراف.

[2] الآيتان (26-27) من سورة الإسراء.

[3] الآية (67) من سورة الفرقان.

[4] من  من الآية (7) سورة إبراهيم.

[5] من الآية (7) من سورة إبراهيم.

[6] من الآية (26) من سورة آل عمران.