Loader
منذ سنتين

الأمور التي تساعد على الاستقامة والثبات على دين الله


الفتوى رقم (4276) من المرسل خ.خ من المملكة -المنطقة الوسطى، يقول: أنا شاب كنت مسرفًا على نفسي بالمعاصي الكبيرة والصغيرة، ولكن منّ الله عليّ بالتوبة ولله الحمد، وتبت من جميع المعاصي التي كنت أفعلها ورأيت الحق حقًا والباطل باطلًا وندمت من أفعالي التي لا ترضي الله ولا رسوله ندمًا شديدًا، واجتهدت في طاعة الله، وقمت أصلي الليل، وأصلي الضحى، وعندما أسمع الآيات والأحاديث أقبل عليها إقبالاً شديدا، وأبصرت الطريق واستقامت أخلاقي، وانشرح صدري ولله الحمد، لكنني الآن ومنذ ما يقارب سنة تقريباً، بدأت أحس بالهبوط رويداً رويدًا في إيماني، وبدأت أتراجع عن الأعمال الصالحة شيئاً فشيئا، حتى أنني تركت قيام الليل، وتركت صلاة الضحى، وأحس بالزعزعة في أيماني وإنني أحاول أن أجاهد نفسي على الاستقامة وعلى الثبات؛ لأنني أعرف أنني كنت على حافة الانهيار، أسأل الله أن يثبتني وإياكم على الطريق المستقيم، وجميع المسلمين، أرجو من فضيلتكم إرشادي إلى ما يثبتني به الله ويقوي إيماني، كما أرجو من فضيلتكم أن توضحوا لي الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الإيمان، حتى لا أقع فيها مرة أخرى جزاكم الله عني خيرا؟

 الجواب:

        أولاً: أن هذا الشخص قد أسرف على نفسه وأمثاله من الشباب كثيرون، فالواجب على من كان واقعاً في مثل ما وقع فيه هذا الشخص أن يعيد النظر في نفسه، وأن يتوب إلى الله -جلَّ وعلا- توبة صادقة، والتوبة لها ثلاثة شروط إذا كانت من حق الله -جلَّ وعلا-: فيندم على فعله الذي فعله، وبعد ذلك يعزم على أن لا يعود إلى مثل هذا العمل، ويعلم أن هذا الأمر الذي تاب منه معصية سواء كان في ترك واجب، أو في فعل محرم، وإذا كانت من حقوق العباد فإنه يستبيح الشخص الذي تاب من أجل المعصية التي ارتكبها في حقه.

        ثانياً: أن هذا الشخص يشكر نعمة الله عليه حيث عاد من غيه إلى رشده.

        ثالثاً: لا ينبغي أن يدخل الشيطان في قلبه، ويحدث عنده اليأس من ناحية التوبة، فإن الله -جلَّ وعلا- يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[1] وهذه الآية هي أرجى آية في القرآن من جهة أصحاب المعاصي؛ لأن الله -جلَّ وعلا- قال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[2]؛ يعني: أكثروا من الذنوب من ترك الواجبات، أو فعل المحرمات، لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً.

        فلا تقنطوا، (تقنطوا): فعل مضارع ينحل عن مصدر وزمان، والمصدر نكرة في سياق النهي، والنكرة في سياق النهي تكون عامة، ومعنى ذلك: أنه لا يحصل عندكم قنوط بأي وجه من الوجوه.

        رابعاً: أن هذا الشخص ينبغي أن يتفقد نفسه، هل حصل منه أسباب تضعف إيمانه.

        والأسباب التي تضعف إيمانه؛ تارة تكون من باب التقصير في الواجبات، وتارة تكون من باب ارتكاب المحرمات. فالشخص عندما يتساهل في الصلاة مع الجماعة مثلاً يكون قد ترك واجباً من الواجبات، وهذا له تأثير على إيمانه، وإذا عصى الله بسمعه، أو عصى الله ببصره، أو بيده، أو بلسانه، أو بفرجه، أو ببطنه، بمعنى أنه أكل حراماً أو غير ذلك من الوجوه المحرمة فإن كل محرم يكون له تأثير على إيمان الشخص، فكما أن الحسنة تقوي الإيمان فتركها يضعفه، وكما أن ترك المعصية لوجه الله -جلَّ وعلا- يقوي الإيمان فكذلك فعل المعصية يضعف الإيمان.

        ولا شك أن المعصية لها تأثير على الفرد وعلى المجتمع، ولا يقال أن المعصية إذا عملها الإنسان تخرجه من دائرة الإيمان؛ لأن جماع المخالفات منه ما ينفي الإيمان، فالشخص عندما يرتكب الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الشرك الأكبر، فهذا لا يجتمع معه إيمان وإذا ارتكب الشرك الأكبر، ومات عليه، فإنه لا يغفر له؛ بل إما أن يدخله الله النار ويطهره منها، أو يأخذ من حسناته؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[3].

        وأما بالنظر إلى المعاصي التي دون الشرك، فهذه إذا مات عليها الإنسان فهي تحت مشيئة الله -جلَّ وعلا-، إن شاء عفا عن صاحبها، وإن شاء عذبه، وكذلك بالنظر إلى الإصرار على الصغائر؛ لأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة.

        فالواجب على الشخص أنه إذا أحس بنقص في إيمانه أن يتنبه إلى الأسباب التي نشأ عنها النقص ويعالج هذه الأسباب، وذلك بفعل الأسباب المقوية للإيمان، ويستمر في دعاء الله -جلَّ وعلا-؛ لأن الله تعالى هو الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وعلى العبد أن يفعل الأسباب. وبالله التوفيق.



[1] الآية (53) من سورة الزمر.

[2] من الآية (53) من سورة الزمر.

[3] من الآية (48) من سورة النساء .