العلاج لانتشار كثرة الطلاق
- الطلاق
- 2021-12-12
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3602) من المرسل السابق، يقول: أصبح الطلاق قراراً سهلاً لدى بعض الناس ولأسباب غير كافية، ما هو الحل في نظركم لعلاج هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة؟
الجواب:
من المعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- شرع النكاح وذلك من أجل حكم كثيرة، ومن ذلك أن يسكن كلّ واحد من الزوجين إلى الآخر، وأن يكون كلّ واحد من الزوجين لباساً للآخر، يستر به نفسه ستراً معنوياً، فالمرأة لا تتطلع إلى غير زوجها، والرجل لا يتطلع إلى غير زوجته، فيحصّن فرجه، ويفضي لزوجته، وتحصّن الزوجة فرجها بزوجها. وكذلك من جهة التعاون على شؤون الحياة، فالرجل يخدم المرأة خارج البيت، والمرأة تخدم الرجل في داخل البيت، ومن جهة ثالثة يكوّنان أسرة فيولد بينهما أولاد، ويحتاجون إلى تربية، وإلى تعليم، وإلى نفقة، وإلى غير ذلك من متطلبات الحياة، فأصل الزواج أن يكون مستمراً، وذلك لتحقيق المصالح التي رتبها الله عليه؛ لكن عندما يعرض للزواج شيء من العوارض، ويكون هذا العارض من الأمور التي يمكن حلّها، أو يكون من الأمور التي يستعصي حلّها في الوقت الحاضر، لكن إذا أخذ الزوج بسياسة النفس الطويل، فترك هذه المشكلة فترة، فمع مرور الزمان تضمر هذه المشكلة وقد تتلاشى، فالمشاكل التي تحصل بين الزوجين إما أن تكون من الزوج، وإما أن تكون من الزوجة، وإما أن تكون منهما معاً، وإما أن تكون بسبب شخص خارجي، فلا بدّ من معرفة حجم المشكلة، ثم بعد ذلك يُنظر في الحلول التي يمكن أن تُحل بها هذه المشكلة، فهذه الحلول تُرتب على حسب أهميتها، ولا يلجأ الإنسان إلى إيجاد الفرقة بينه وبين زوجته، إلا إذا تعذر العيش بينهما؛ بسبب أمر لا يمكن أن يصبر عليه الإنسان. وأنا أذكر بعض الأمثلة لهذا: تتزوج المرأة الزوج ويكون في بداية أمره من الصالحين، أو أنها تُغرّ به، فيتبين لها أنه لا يُصلي، يتبين لها أنه يشرب الخمر، يتبين لها أنه لا يصوم، يتبين لها أنه غير عفيف. في هذه الحال يصعب على المرأة أن تصبر عليه؛ لأن صبرها عليه على حساب دينها، وليس على حساب تحمّلها لنفسها، فلا يجوز لها أن تتحمّل شيئاً على حساب دينها، لكن تتحمّل شيئاً على حساب نفسها فهذا لا شيء فيه. وكذلك الرجل يتزوج المرأة، ويتبيّن له أن سلوكها غير حسن، سواء كان من جهة الدِّين، أو من جهة العِرض، أو غير ذلك من الأمور، أو يتبين له أنها لا تصلح أن تكون شريكة لحياته، ففي هذه الحال يتركها، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه. أما ما يحصل من المشاكل بين الزوجين: فبعض الرجال تكون نفسه قوية، فيتحمّل ويعالج المشاكل، وبعضهم يكون ضعيفاً في نفسه فلا يتحمّل، ويرى أن فرض شخصيته على الزوجة من صفات الرجال، والواقع أن هذا ليس من صفات الرجال، فمعاوية -رضي الله عنه- يقول: « يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام، فأحب أن أكون كريماً مغلوباً ولا لئيماً غالباً »، ويقول -أيضاً-:« لا يغلبن إلا كريماً، ولا يغلبهن إلا لئيم »[1].
وكذلك بالنظر للمرأة قد يحصل من زوجها شيء؛ ولكن يكون على حساب النفس لا على حساب الدِّين، ففي إمكانها أن تتحمّل هذا الشيء من جهته؛ لأن هذه تعتبر من الأمور العادية التي تحصل بين الزوجين، ويكون ذلك نتيجة اختلاف وجهة نظر، وإذا نظر كلّ واحد من الزوجين من هذه النظرة، فإنهما يحلان مشاكلهما التي تكون من هذا النوع، ولا يحتاج الزوج إلى أن يلجأ إلى الطلاق، لكن عندما تأتي مرحلة أن الزوج يختلف مع الزوجة في أمر ليس على حساب الدِّين، ولكنه على حساب النفس، ولكن ليس عنده استعداد أن ينزل عن رأيه، وليس عندها استعداد أن تنزل عن رأيها، فالضحية الزوج والزوجة والأولاد عندما تحصل الفرقة، فواجب على كلّ واحد من الزوجين أن ينظر إلى هذه النتيجة بدقة، وأن يتصور نفسه هو في هذا الموقع، يعني: يتصور أن واحداً من الأولاد يتشتت؛ لأن أمه إذا طُلقت تزوّجت وزوجها ليس عنده استعداد أن يتقبّل الأولاد من غيره. وكذلك الزوج إذا طلّق زوجته سيتزوج، وزوجته ليس عندها استعداد أن تتقبّل أولاده وتربيهم وليسوا أولاداً لها.
فالواجب على كلّ واحد من الزوجين إذا حصل خلاف بينهما النظر في تحليل حل المشكلة، وبحث الوسائل التي يمكن أن تُحل بها هذه المشكلة؛ وكذلك النظر إلى النتائج المترتبة على بقاء الحياة الزوجية، والآثار المترتبة على حصول الفراق. هذا إذا كانت المشاكل على حساب النفس. أما ما كان على حساب الدِّين فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن التمس رضا الله بسخط الناس -رضي الله عنه-، وأرضا عنه الناس. ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس.
فالواجب على الإنسان أن يكون منصفاً من نفسه؛ لأنه يحب أن ينصفه الناس، وبما أنه يحب أن ينصفه الناس، فواجب عليه أن ينصف الناس من نفسه. وبالله التوفيق.