معنى قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"
- التفسير
- 2021-12-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (2454) من المرسل ن. و. ر، من العراق يقول: ما معنى قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"[1]؟
الجواب:
هذه الآية فيها نداءٌ من الله -جلّ وعلا- افتتحت به، وجاء بعد هذا النداء التنبيه وبيان المنادى مع وصف المنادى بالإيمان، وتوجيه هذا النداء لهذا الصنف لا يعني أنه خاصٌ بهم؛ ولكن لأنهم هم الذين يمتثلون أمر الله ويجتنبون نهيه، فإن الدعوة دعوةٌ عامة لجميع الثقلين من الإنس ومن الجن المؤمن والكافر، ولهذا جاء الخطاب في القرآن منوّعاً، فمثلاً قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ"[2] هذا فيه عمومٌ للناس، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ"[3]، وفي هذه الآية نداءٌ للمؤمنين، وجاءت أدلة كثيرة في القرآن من هذا النوع، ثم لما ذكر المنادى أعقبه ببيان المقصود من هذا النداء، وهذا المقصود هو الوصية بتقوى الله -جلّ وعلا-.
وحقيقة التقوى أن يفعل الإنسان ما أوجبه الله عليه من قولٍ وعمل واعتقاد، وأن يترك ما حرّم الله عليه من قولٍ أو فعلٍ أو اعتقاد، وما جاء بعد ذلك فهو خير، فلا بدّ من مراعاة امتثال الواجبات وترك المحرمات، وهذه الوصية هي وصية الله -جلّ وعلا-، فقد أوصى بالتقوى في مواضع كثيرة، كما قال تعالى: "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ"[4] فهي وصيةٌ جامعة إذا أخذ الإنسان بها، فقد أخذ بحظٍ وافر،ٍ يُرجى له الثواب عند الله -جلّ وعلا- يوم القيامة، والنجاة ومن النار.
وأما قوله تعالى: "وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"[5] فهذا فيه بيان أن الإنسان قد يتقي الله ظاهراً وباطناً، وأنه قد يفعل الأوامر ظاهراً، ويترك النواهي ظاهراً؛ ولكنه في قرارة نفسه لا يكون صادقاً كالمنافق، وقد أوضح الله صفات النافقين في مواضع كثيرة في أول سورة البقرة، وفي سورة البراءة في قصة المنافقين الذي تخلّفوا عن غزوة تبوك، وما ذكره الله -جلّ وعلا- من صفاتهم القولية والفعلية والقصدية؛ لأنهم يتصفون بصفاتٍ ظاهرةٍ حسنة فيما بينهم وبين الرسول ﷺ، وفيما بينهم وبين المؤمنين، وإذا لقي بعضهم بعضاً كلّ واحدٍ منهم يبوح بما عنده من فساد القول، وفساد الفعل، وفساد القصد. وجاء فيهم سورة: "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ"[6]، فآخر هذه الآية فيه بيان أن التقوى لا تكون حقيقةً؛ إلا إذا قرنت بالتصديق الباطن، أما إذا كانت التقوى بمجرد الأعمال الظاهرة مع مخالفة الباطن لها، فإنها لا تكون تقوىً منجية من عذاب الله -جلّ وعلا-، فاشتملت هذه الآية على المُوَصَى وهو المؤمن، وعلى الوصية وهي التقوى، وعلى تقييد هذه الوصية بأنها خاصة بالتقوى، التي يتفق فيها ظاهر الإنسان مع باطنه. وبالله التوفيق.