Loader
منذ سنتين

شاب كثير المعاصي وسريع التوبة ويعود لمعصية. يريد التوجيه


  • فتاوى
  • 2022-02-07
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (10760) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: أنا شاب كثير المعاصي وسريع التوبة. عندما أنوي التوبة أرجع للمعصية وبسرعة. دلوني على التوجيهات التي يجب علي أن أعملها لكي لا أرجع للمعصية.

الجواب:

        الشخص عندما يُطلق لنفسه الأمّارة بالسوء فإنها تقوده إلى ما يسوؤه، وإذا انقاد إلى الشيطان الرجيم قاده إلى ما يسوؤه. وإذا سلّم أمره للهوى فإنه يقوده إلى ما لا تحمد عقباه. وإذا اقترن بقرناء السوء فكذلك يقودونه إلى ما لا يرضي الله -جل وعلا- فهذا الشخص وأمثاله يحتاج إلى أن يقف وقفة تفكير، وليعلم أن الله وكّل عليه ملكين من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، وملكين من صلاة العصر إلى صلاة الفجر. الذي على يمينه يكتب الحسنات، والذي على يساره يكتب السيئات؛ فما من حسنةٍ يعملها دقيقةٍ أو جليلة إلا كتبت، وما من سيئةٍ يعملها دقيقة أو جليلة إلا وتكتب، وتعرض الأعمال على الله يوم الإثنين ويوم الخميس. والله -تعالى- يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}[1]، ويقول -جل وعلا-: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[2]، ويقول -جل وعلا-: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}[3].

        هذه الأعمال التي تعملها ويكتبها الملائكة وتحفظ في هذه الصحائف إذا جاء يوم القيامة فإنها تعرض عليك، فإن أنكرت شيئاً منها شهد عليك سمعك، وشهد عليك بصرك، وشهدت عليك يدك، وشهدت عليك رجلك وهكذا: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)}[4].

        ويقول -جل وعلا-: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[5].

        فكل شيءٍ محصى. وإذا أنكرت -فكما ذكرت لك قبل قليل- الشهود منك؛ إضافة ً إلى الأرض، فإن الأرض تشهد عليك بما عملت عليها؛ كما قال -جل وعلا-: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[6] فأنت يا عبد الله لا بد أن تنتبه لنفسك وتحذر؛ هذا من جانب.

        ومن جانبٍ آخر أن الإنسان لا يكون متلاعباً مع الله -جل وعلا- يتوب وفي نيته أنه يعود إلى المعصية؛ هذه توبة في اللسان وليست توبةً في القلب؛ لأن التوبة يحتاج الإنسان إلى الإقلاع من الذنب، والندم على فعله، ووجود العزم على أنه لا يعود إليه, وإذا كان هذا من حقوق المخلوقين وكان من الأمور التي يمكن ردها إليهم فإنه يردها، وإذا تعذّر الرد أو كان من الأمور التي لا يمكن ردها فإنه يستبيح، وإن تعذر الرد وتعذرت الاستباحة فإنه يدعو لصاحبه ويدعو له ويتصدق عنه؛ وإلا فإن الإنسان إذا كان يستمر يتوب اليوم ويعصي غداً وهكذا، ويكون في نيته أنه سيعود على المعصية هذا قد يُستدرج، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[7]، ويقول: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[8]. وقد يفتح الله عليه من القدرة على هذه الأمور كذلك القدرة على المال والصحة وما إلى ذلك؛ كما يقول بعض السلف: « إذا رأيت الله يعطي العبد وهو مقيمٌ على معاصيه فاعلم أنما هو استدراج ». وهذا موجودٌ في قوله -تعالى-: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}[9] فعلى الإنسان أن يتنبه لنفسه مادام في زمن الإمكان. وبالله التوفيق.



[1] الآيتان (7-8) من سورة الزلزلة.

[2] من الآية (12) من سورة يس.

[3] الآيتان (13-14) من سورة الإسراء.

[4] الآيات (19-21) من سورة فصلت.

[5] الآية (49) من سورة الكهف.

[6] الآية (4) من سورة الزلزلة.

[7] من الآية (30) من سورة الأنفال.

[8] الآية (50) من سورة النمل.

[9] من الآيتين (182-183) من سورة الأعراف.