كلمة توجيهية عن الاسراف في حفلات الزفاف
- النكاح والنفقات
- 2021-08-03
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (6938) من المرسلة: ع.ع.ط من ظهران الجنوب المملكة العربية السعودية، تقول: أرجو توجيه النصيحة حول ظهور ظاهرة محزنة وهي الإسراف في حفلات الأعراس وربما وجود بعض المنكرات والمحرمات كالغناء ونحو ذلك؛ فضلاً عن التبرج الذي تظهر به بعض النساء أثناء ذهابها لمثل هذه الحفلات.
الجواب:
يقول الرسول ﷺ: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في بيته ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، والعبد راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته؛ ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ».
ومن المعلوم أن الإنسان أيضاً راعٍ على نفسه أنه مسؤول عن أداء الواجبات عليه على سبيل التعيين؛ بمعنى: إنه لا يقدم على ترك واجبٍ ولا يُقدم على فعل محرم، فهو راع لنفسه من هذه الجهة؛ يعني: يمتثل المأمور ويترك المحظور، وإذا ترك الواجب أو فعل المحرم فهو لم يرعَ نفسه حق الرعاية، وقد تكون المخالفة منه في سمعه، أو في بصره، أو في لسانه، أو في يده إلى غير ذلك.
وكذلك الإنسان مسؤولٌ عمن ولاه الله أمره، ومسؤول مسؤولية لابد من أدائها؛ فالرجل راعٍ في بيته ومسؤولٌ عن زوجته، مسؤولٌ عن أولاده، مسؤولٌ عن بناته فإذا أراد هو أن يحضر إلى محلٍ يمكن أن يُقام فيه منكر فلا يجوز حضوره إلا إذا كان يستطيع تغييره، وإذا كان لا يستطيع فمن رعايته لنفسه أنه لا يحضر، ومن رعايته لزوجته أنه لا يجوز له أن يأذن لها بالحضور إذا كانت ستتلبس هي في أمرٍ محرمٍ من لباسٍ وكشف وجهٍ عند غير محارمها من الرجال الأجانب؛ فإن بعضهن تُسرف على نفسها من ناحية اللباس فتلبس لباساً قصيراً، أو تلبس لباساً خفيفاً جداً، أو تلبس لباساً يُبين مقاطع جسمها فلا يجوز له أن يأذن لها؛ كما لا يجوز له أن يأذن لبناته إذا أردن الذهاب لحضور زواجٍ كهذا، هذا بالنسبة لمن يحضر.
أما بالنسبة للشخص الذي يُريد أن يتزوج؛ وكذلك من هو مرتبطٌ به من جهة أمه وأبيه وأخواته وعماته وخالاته؛ فهؤلاء -أيضاً- واجبٌ عليهم إذا أرادوا الحضور ألا يستعملوا أمراً محرماً، ولا يجوز للزوج ولا يجوز لأبيه أن يصرف مالاً يكون هذا المال فيه إعانة على استعمال أمورٍ محرمة.
والأمور المحرمة منها ما يكون فيه تبذير، ومنها ما يكون فيه إسراف. والتبذير هو بذل الأموال في أمورٍ محرمة كما تُصرف الأموال لحفلات الغنائية بالنسبة للمرأة المُغنية، وبالنسبة للفريق الذي معها، فتصرف الأموال للمغنيات اللاتي يأتين بغناءٍ ليس بمأذونٍ فيه شرعاً يكون مقروناً بالطبل، ويكون مقروناً بأمورٍ أخرى كما هي مشاهدة من حفلات الزواج، فلا يجوز للزوج أن يرى ذلك، ولا يجوز لولي أمره من أبيه مثلاً لا يجوز له إقرار ذلك هذا من جهة الزوج، وكذلك من جهة الزوجة من جهة ولي أمرها؛ لأن بعض الناس يُحب ابنته ومن محبته لها أن يُسرف في المظهر الذي يُعمل لحفل زواجها فيرتكبون أموراً محرمة وذلك من أجل أن يظهروا -على ما يقولون- بالمظهر اللائق وهذا أمرٌ محرمٌ لا يجوز لهم أن يفعلوه، وهكذا أيضاً بالنسبة لشخص الذي يؤجر البيت لإقامة الحفلة فلا يجوز له أن يؤجر البيت إذا كان سيعمل فيه أمورٌ محرمة، وإذا أجر البيت وعُمل فيه أمورٌ محرمة فإن الأجرة تكون محرمةً عليه هذا من جهة أصل الأجرة. وفيه أناسٌ يسرفون في الإيجار؛ بمعنى: إنهم يستأجرون بأربعين ألفاً، خمسين ألفاً، ستين ألفاً سبعين ألفاً لليلة الزواج، وهذا في الحقيقة يكون مشتملاً على التبذير من جهة، وعلى الإسراف من جهةٍ أخرى.
هذه الآثار السيئة عندما تقع في الزواج بإقرارٍ ممن حضر، وبإقرار الزوج من جهة، وبإقرار ولي أمره، وبإقرار ولي أمر الزوجة؛ إذا حصلت هذه الأمور فلا شك أنه سيكون لها آثارٌ سيئة، وهذه الآثار السيئة لا يستطيع الشخص أن يحصرها؛ لكن من هذه الآثار قد لا يحصل توفيقٌ في الزواج، وقد يرى الزوج والزوجة من الأولاد عقوبة لهذا العمل، فقد تحصل الفرقة بينهما بعد وقتٍ قصير. وقد بلغني أن شخصاً حصل منه ما حصل من ناحية الإسراف وطلقها في ليلة الزواج قبل أن يخرج منها لصلاة الفجر، ولا شك أن هذه عقوبةٌ عاجلة، فتحصل عقوبات بالنسبة للمرأة بالنسبة للرجل أو لهما جميعاً، ويكون ذلك نتيجة هذا التبذير وهذا الإسراف.
وقد تكون العقوبة أيضاً على ولي أمرها، وقد يحصل -أيضاً-عقوبة بالنظر لمن حضر من الناس مقراً لهذا المنكر ومساعداً عليه، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ"[1]، ويقول الله -جل وعلا-: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"[2].
فعلى من أراد أن يزوج ابنه أو ابنته على كل واحدٍ منهم مسؤولية عظيمة، وهذه المسؤولية هي تحري المنهج الشرعي في إقامة حفلة الزواج والمظاهر المشروعة فيه والتقيد بها؛ لأن هذا العمل من شكر نعمة الله -جل وعلا- وقد قال -تعالى-: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"[3]، وبالله التوفيق.