Loader
منذ 3 سنوات

في الحديث« لو لم تخطئوا لذهب الله بكم و لأتى بأناسٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم »، فهل معناه أن الإنسان مهما بلغ من العلم والإيمان لا بدّ أن يذنب؟


الفتوى رقم (7149) من المرسل السابق، يقول: في الحديث أن الرسول ﷺ قال: « لو لم تخطئوا لذهب الله بكم و لأتى بأناسٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم »، فهل معنى هذا الحديث أن الإنسان مهما بلغ من العلم ومهما بلغ من الإيمان لا بدّ أن يذنب سواءٌ في الفعل أو القول أو الوسوسة؟

الجواب:

        إن الله سبحانه وتعالى حكيم خلق الملائكة من نور لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وخلق الجان من مارجٍ من نار.

        والشيطان وذريته لا يطيعون الله لحظةً واحدة؛ يعني: أعمالهم كلها مغضبة الله -جل وعلا-، ومؤمن الجن في الجنة وكافرهم في النار، وخلق الله بني آدم كما قال -تعالى-: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"[1]، فخلق الله آدم من تراب، وركبّه من بدنٍ وروح، وجعل غذاء الروح هو الوحي، وجعل غذاء البدن ما خلق له من الطيبات في الأرض، كما قال -تعالى-: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا"[2] فأباح الطيبات وحرم الخبائث، والإنسان ليس في درجة الملائكة من ناحية العصمة؛ ولكن الله سبحانه وتعالى خلقه وبيّن له طريق الهدى، وبيّن له طريق الضلال: "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا"[3]، "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)"[4]،"فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"[5]، فالإنسان يختار الإيمان أو يختار الكفر، وهكذا بالنظر إلى المعاصي التي يقدم عليها، فليس معصوماً فقد يقع الإنسان في الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو النفاق الأصغر، أو الشرك الأصغر، أو الكفر الأصغر. والكفر الأصغر مثل كبائر الذنوب، كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر وما إلى ذلك، فقول الرسول ﷺ: « لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم... » هذا فيه تنبيه على الإنسان من ناحية أنه ليست له القدرة كاملة؛ بمعنى: إنه يستطيع أن يمنع نفسه من الوقوع في المعاصي مطلقاً، لكن الله أمره بالأخذ بأسباب الخير ونهاه عن الأخذ بأسباب الشر، فبيّن الخير ووسائله، وبيّن الشر ووسائله، وأمر العبد بأن يأخذ بالخير وأسبابه، وأن يتجنب الشر وأسباب؛ لكن بالنظر إلى الإنسان يأتيه أعداء وهؤلاء يوقعونه في الأمور التي حرّم الله، فشيطان الجن، وشياطين الإنس، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى المذموم، والإغراق في الدنيا؛ كلّ هذه عوامل تضعف جانب الخير في الإنسان، وتقوي جانب الشر فيه، لكنه عندما لا ينقاد لهذه الأمور فإنه يقوى فيه جانب الخير، ويقل جداً عنده جانب الشر، أما العصمة فحاصلةٌ للرسل فيما يبلغونه عن الله -جل وعلا- هذا من جهة، ومن جهةٍ ثانية أن صرف الله سبحانه وتعالى للعبد عن ارتكاب ما حرم الله، وتوجيه وإعانته إلى فعل ما أمر الله كل ذلك من فضل الله وإحسانه؛ ولهذا قال الرسول ﷺ: « لن يدخل أحدكم الجنة بعمله »، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: « حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ».

        فعلى الإنسان أن يحرص -بقدر استطاعته- على فعل الخير وأسبابه وتجنب الشر وأسبابه، وأن يحرص على كثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن يبتعد عن شياطين الإنس، وألاّ يلتفت للنفس الأمّارة بالسوء وكذلك الهوى، فقد قال ﷺ: « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به »، فإذا كان الهوى مخالفاً لما جاء به الرسول ﷺ فعلى العبد أن يخالفه؛ وهكذا لا يغرق في الدنيا إلى درجة أنها تصرفه عن السعي لأمور الآخرة، ولهذا يقول -جل وعلا-: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"[6]. وبالله التوفيق.



[1] الآية (59) من سورة آل عمران.

[2] من الآية (29) من سورة البقرة.

[3] الآية (3) من سورة الإنسان.

[4] الآيات (9- 10) من سورة الشمس.

[5] من الآية (29) من سورة الكهف.

[6] من الآية (77) من سورة القصص.