Loader
منذ 3 سنوات

حكم أخذ بنتاً من دار الرعاية لتربيتها وهل تصبح ابنة لمن أخذها تحمل اسمه وترث منه؟


  • فتاوى
  • 2021-09-02
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1190) من المرسل ع.ر.ع من السودان - كسلا، يقول: يقع بجوار مسكننا دار لرعاية مجهولي النسب من الأبناء والبنات، وقد حصل أن أخذ والدي بنتًا مجهولة النسب من هذه الدار بقصد رعايتها، وتبنيها كما يقال، وعلمًا أن له ثمانية من الذكور والإناث، أصغرهم تجاوز سن البلوغ، وقد حاولنا نحن وبعض الأصدقاء أن يعدل عن فكرته تلك التي لا نأمن من عواقبها السيئة، ولكنه رفض، وأصر على فعله، فما الحكم في مثل هذا العمل، وما حكم إقامة هذه البنت بيننا نحن الذكور؟ وهل يجوز أن تحمل اسم والدنا، وعائلتنا، وترث منا، أو نرث منها؟

الجواب:

لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يُلحق بنسبه من ليس منه مطلقاً بإجماع المسلمين، نعم كان التبني معروفاً أيام الجاهلية قبل رسالة نبنا محمد ﷺ، وكان من تبنّى غير ولده يُنسب إليه، ويرثه، ويخلو بزوجته وبناته، ويحرم على المُتبنّي زوجة مُتبنّاه.

وبالجملة، كان شأن الولد المُتبنّى شأن الولد الحقيقي في جميع الأمور, فقد تبنّى النبي ﷺ زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي قبل الرسالة، فكان يُدعى زيد بن محمد[1]، واستمر العمل بالتبني على ما كان عليه زمن الجاهلية إلى السنة الثالثة، أو الخامسة من الهجرة، ثم أمر الله بنسبة الأولاد المتبنَّين إلى أبائهم الذين ولدوا من أصلابهم إن كانوا معروفين، فإن لم يُعرف آباؤهم الذين من أصلابهم، فهم إخوةٌ في الدين، وموالٍ لمن تبناهم، ولغيرهم، وحرّم سبحانه وتعالى أن يُنسب الولد إلى من تبنّاه نسبة حقيقية، بل حرّم على الولد نفسه أن ينتسب إلى غير أبيه الحقيقي، إلا إذا وقع هذا من باب سبق اللسان خطأً، فلا حرج فيه، وبيّن سبحانه أن هذا الحكم هو محض العدالة لما فيه من الصدق في القول، وحفظ الأنساب، والأعراض، وحفظ الحقوق المالية لمن هو أولى بها، بيّن ذلك جلَّ وعلا في قوله تعالى:"وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)"[2]، وقال النبي ﷺ: « من ادّعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام » رواه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داوود، وابن ماجة وغيرهم[3]، وقال ﷺ: « من ادّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله المتتابعة » رواه أبو داوود[4]. وبقضائه سبحانه وتعالى على التبنّي، أي البُنُوة الادّعائية التي لا حقيقة لها، قضى على ما كان له من أحكام زمن الجاهلية، واستمرت في صدر الإسلام، ومن ذلك أنه جلَّ وعلا قطع جميع الصلة التي ثبتت للمُتبنّى قبل الإسلام، وفي أول صدر الإسلام، كالميراث، والمحرمية، وغير ذلك من الحقوق التي تكون ثابتةً للولد من النسب.

 وبناءً على ما تقدم، يتبيّن أنه لا يجوز لأبيك أن يُثبت هذه البنت في حفيظة نفوسه، وأن ينسبها إلى نفسه، وبالتالي تكونون محارم لها، وترث من مال أبيكم، فهذا لا يجوز.وبالله التوفيق.



[1] ينظر: صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله (6/116)، رقم(4782)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد(4/1884)، رقم(2425).

[2] من الآيات (4-5) من سورة الأحزاب.

[3] أخرجه أحمد في مسنده (3/91)، رقم(1499)، والبخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف(5/156)، رقم(4326)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم(1/80)، رقم(63)، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه(4/330)، رقم(5113)، وابن ماجه في سننه، كتاب الحدود، باب من ادعى إلى غير أبيه وتولى غير مواليه(2/870)، رقم (2610).

[4] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الرجل نتمي إلى غير مواليه (4/330)، رقم (5115).