Loader
منذ سنتين

حديث: « من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ......». وحديث: « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ». هل يجوز في الإسلام أن يحدث الإنسان سنة مع أن الدِّين كامل؟ وما الفرق بين السنة والبدعة؟


الفتوى رقم (9950) من مرسل من أوثال، يقول: قول النبي ﷺ: « من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ». ويقول الرسول ﷺ: « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ». هل يجوز في الإسلام أن يحدث الإنسان سنة مع أن الدِّين كامل؟ وما هو الفرق بين السنة والبدعة في هذين الحديثين؟

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}[1]، ويقول -جل وعلا- مخاطباً نبيه ﷺ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[2].

        ومن وجوه هداية القرآن والسنة ما جاء من وصف هذا الشريعة بالكمال فإن الله -جل وعلا- قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[3]، والرسول ﷺ ما ترك شيئاً من الأمور التي يحتاجها الناس في أمور دينهم ودنياهم إلا بلّغها فتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

        وبناءً على وصف الشريعة بهذا الوصف وهو الكمال فلا يجوز لأحدٍ من الخلق أن يغير شيئاً من هذه الشريعة؛ ذلك أن الشريعة منقسمةٌ إلى عزائم وهذا هو الأصل، وإلى رخص وهي مستثناةٌ من الأصل، وهذا الاستثناء ورد في القرآن وورد في السنة، وليس المقام -هنا- الكلام على هذه الرخص من جهة أسبابها وتفاصيلها وما إلى ذلك، فالأصل في الشريعة العزائم، والرخص مستثناة من العزائم؛ لكن الرخصة تكون مستندة إلى مستندٍ شرعي.

        وإذا نظرنا إلى الشريعة وجدنا أنها تكون عبادة ومعاملة وعادة؛ يعني: منقسمةٌ إلى هذه الأقسام الثلاثة: العبادات، والمعاملات، والعادات:

        وإذا نظرنا إلى العبادات وجدنا أن الأصل فيها هو التوقيف من جهة أصولها، وكميتها، وكيفيتها، وزمانها،ومكانها؛ فلا يجوز لأحدٍ أن يغير أو أن يتدخل تدخلاً يكون من شأنه التغيير في أمور العبادات إلا إذا كان هذا التغيير مستنداً إلى مستندٍ شرعيٍ مثل الرخص، فإن فيها تغييراً بالنسبة للعزائم؛ ولكنها مستندة إلى مستندٍ شرعي؛ وهكذا بالنظر إلى المقّدرات في الشريعة، وهكذا الأصل في الفروج في الشريعة، وهكذا الأصل في اللحوم إلا لحوم البحر، فإن الرسول ﷺ قال: « أحل لنا ميتتان ودمان » وذكر الجراد والسمك هذا بالنظر إلى الميتتين. والدمان هما الكبد والطحال.

        وأما إذا نظرنا إلى باب المعاملات وجدنا أن الأصل في باب المعاملات هو الجواز؛ وهكذا بالنظر إلى باب العادات فالأصل فيه الجواز، ولهذا يجري فيه القياس الأصولي. وهذه الأمور التي ذكرتها فيما سبق بالنص للعبادات والمقدرات وما ذكر معها؛ هذه كلها لا يجري فيها القياس الأصولي.

        على هذا الأساس نأتي الكلام على الحديث:

         فحديث: « من سنّ سنةً حسنةً » ليس المقصود منه أن ينشئ حكماً شرعياً، فلو فرضنا أنه سيزيد في شروط الطهارة، في شروط الصلاة، في شروط الزكاة، في شروط الصيام إلى غير ذلك يزيد شرطاً، أو يزيد ركنا، ً أو يزيد هيئةً، أو يزيد كماً؛ يعني: زيادة عدد؛ إلى غير ذلك من وجوه الزيادة، فإن هذا لا يجوز؛ لأن هذا ينافي الكمال الذي ذكره الله -جل وعلا-؛ لكن قد تكون السنة متروكة من جهة العمل بها،وتكون سنة مشروعة لكن أغفلها كثير من الناس حتى صارت كأنها معدومة، فيحتسب شخص ويحيي هذه السنة بوسائل. قد تكون هذه الوسائل وسائل انتشار في الدرجة الأدنى، أو المتوسطة، أو العالية؛ يعني: مثل الإنسان يريد أن يحيي سنته في وسائل الإعلام؛ مثل الآن في بعض البلدان يأتي عيد الأضحى وتأتي ليلة عيد الفطر ولا تسمع التكبير! فهذه السنة في البلد التي لا يسمع فيها التكبير، عندما يأتي شخصٌ ويظهر هذه السنة الميتة من الناحية العملية؛ لكن يحيها يظهر هذا التكبير في المساجد والأسواق إلى غير ذلك من المواضع، ثم يكبر الناس بتكبيره. وينبههم على أن هذا التكبير سنة؛ فهذه سنة أحياها هذا الشخص. وقد تكون السنة متروكة العمل مدة من السنين، فكل فرعٍ من فروع الشريعة يكون مُماتاً سواءً كانت المدة طويلة، أو متوسطة، أو قليلة؛ لكن إنه لا يذكر عند الناس فيأتي شخصٌ ويظهر هذه السنة يعلنها للناس ويعملها كما دلّ عليه القرآن والسنة، يعملها تماماً ينشرها في الناس فهذا له أجر عمله من جهة، وله أجر من عمل بها.

        أما بالنظر للشخص الذي يأتي ويجتهد ولكن ينشئ بدعة. والبدعة لها تقسيمات كثيرة لا يتسع البرنامج للكلام عليها؛ لكن فيه بدعة إضافية، وفيه بدعة حقيقية:

        فالبدعة الإضافية تكون جائزة من حيث الجزء؛ لكن تكون بدعة من حيث الكيف. مثلاً عندنا التكبير الجماعي إذا نظرنا من حيث هو تكبير وجدنا أنه مشروع؛ لكن عندما يتعاهد أشخاصٌ ويكبرون جماعةً. ومثله التهليل في أدبار الصلوات هو مشروع كل شخصٍ يكبّر بنفسه؛ لكن عندما يقترح مقترح على أن الناس يأتون بهذه الأدعية جهاراً وجماعةً؛ فهذه بدعة إضافية ولا تجوز. وعلى هذا الأساس يكون عليه الإثم من جهته، وعليه إثم من عمل بها إذا كان جاهلاً؛ أما إذا كان عالماً أيضاً فإن عليه نصيبه من زيادة الإثم.

        أما البدعة الأصلية الحقيقية فهذه تكون منشأة هي؛ يعني: زيادة؛ مثل -الآن-بدعة المولد بدعة المولد هذه أنشئت وجعلت عبادة من العبادات. وإذا نظرنا إلى واقع الرسول ﷺ وجدنا أنه لم يعمل بها بنفسه، ولم يأمر أحداً بالعمل بها له سواء كان في حياته أو بعد مماته، ولم يتطرق لها بأي تصرف حصل له. وإذا نظرنا إلى الخلفاء من بعده: أبي بكر،عمر، عثمان، علي وجدنا أنهم لم يفعلوها؛ وهكذا أجمع الصحابة على عدم فعلها، وأجمع التابعون على عدم فعلها، وأجمع أتباع التابعين من القرون المفضلة على عدم فعلها؛ فهذا يكون من باب الزيادة من ناحية الدين.

        وبالنظر إلى الكلام على البدعة والسنة:

        أنا أنصح القارئ وهكذا من يستمع هذا البرنامج أن يرجع إلى كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي، فهذا أحسن كتاب وضع للكلام على ما يتعلق بالبدع؛ وهكذا كتاب السنن والمبتدعات، وكتاب الأبداًع في مضار الابتداع، وكتاب البدعة؛ إلى غير ذلك من الكتب التي كتبت في البدعة. وبالله التوفيق.



[1] الآيتان (9-10) من سورة الإسراء.

[2] من الآية (52) من سورة الشورى.

[3] من الآية (3) من سورة المائدة.