حكم الكذب على الأب إذا طلب من ولده عملاً يغضب الله، وحكم الولد إذا رفض الزواج من فتاة عرضها عليه والده
- فتاوى
- 2021-12-09
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3162) من المرسل ج.ح. م، مقيمٌ الطائف، يقول: كنت أبلغ من العمر حوالي السابعة عشرة، وكان والدي شديد العنف وقاسي المعاملة معي، وكنت أستحي منه، وأحترمه، وأوقّره؛ ولكن والدي قد أشغلني، وطلب مني شيئاً يغضب الله؛ ولكني كذبت عليه، وقلت: لقد نفذت ما أمرت، وطلب مني مرةً ثانية وكذبت عليه، وطلب مني مرةً ثالثة وأنا كذبت عليه، وعند المرة الأخيرة قلت له: أنا لم أفعل شيئاً أبداً، ولقد كذبت عليك في تلك المرات السابقة، حينئذٍ غضب والدي. ثم إنه بعد ذلك خيرني في زواج إحدى الفتيات، أو أخرج من البيت، فرفضت زواجها. وجّهوني حول هذه القضايا جزاكم الله خيراً. وهل أكون عاقاً والحال ما ذكر؟
الجواب:
أولاً: فيما يتعلق بمعاملة الأب مع أولاده. فالآباء مع الأولاد ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: من يسلك مع أولاده مسلم الإفراط.
والصنف الثاني: من يسلك مع أولاده مسلك التفريط.
والصنف الثالث: من يسلك معهم مسلك العدل.
فأما الصنف الأول: وهم الذين يسلكون مسلك الإفراط، فهؤلاء يُغْرون أبناءهم بالمال، إلى درجة إن الأبناء لا يقيمون وزناً للآباء؛ بسبب ما يقدمه الآباء للأولاد من المال؛ كما أنهم لا يسألونهم عن جميع ما يتعلق بأمور التربية، فلا يسألونهم عن صلاتهم في وقت الصلاة، ولا يسألونهم عن صيامهم في وقت الصيام. فقد يترك الولد الصيام، وقد يرتبط مع أشخاصٍ يعود هذا الارتباط عليهم بالضرر من الناحية النفسية، والعقلية، والدينية، والجسمية، ومن ناحية تضييق الوقت، ومن ناحية علاقته بأسرته. فقد يستخدمون معه أساليب التنفير؛ بمعنى: إنهم ينفرونه عن أهله، حتى يتمكنوا من تحقيق ما يريدونه منه. ولا شك أن هذا الأسلوب من الآباء وهو أسلوب تضييع الأولاد، والإغداق عليهم بالمال، وعدم مراقبتهم مراقبةً دقيقة؛ لا شك أن هذا مخالفٌ للأمانة التي تحمّلها الأب فيما يخص أولاده، فالرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته ». ويقول ﷺ: « ما نحل والدٌ نِحلةً خيرٌ له من حسن أدب ». فلا شك أن تأديب الآباء لأولادهم من الذكور والإناث أنه من الواجبات، فإهمالهم يعود على الأولاد، وعلى الآباء، وعلى الأسرة بالضرر؛ وكذلك على المجتمع. يُضاف إلى ذلك أن الولد عندما يكبر، والبنت عندما تكبر وتعود إلى ماضيها، وتنظر إلى موقف والدها معها، أو يقف هو ينظر إلى موقف والده معه، فلا شك أنه ينتقد هذا الموقف، وقد يسير فيما بقي من حياته على سيرته السابقة. والأب يكون آثماً في ذلك؛ لأنه ضيّع الأمانة التي تحمّلها.
الصنف الثاني: هم الذين يسلكون مع أولادهم مسلك التفريط، ومعنى التفريط: أنهم يشددون عليهم تشديداً بالغاً إلى درجة أنهم لا يسمحون لهم بالاتصال بأحد، ولا يسمحون لأحدٍ بالاتصال بهم، ويسيئون معاملتهم من جهةٍ، فيضيقون عليهم من ناحية ما يحتاجون إليه من المال، ويتكلمون معهم بالكلام البذيء، ويقللون منزلتهم في الأمكنة التي ينبغي أن ترفع منزلتهم فيها.
فعلى سبيل المثال: عندما يكون الولد جالساً مع أبيه في مجلسٍ من المجالس تجد أن الأب يتكلّم عن ابنه على مسمعٍ من هؤلاء الحاضرين بكلماتٍ فيها من الإهانة تجعل الولد يغضب على أبيه فيما بينه وبين نفسه، وقد يُكلّف الوالد ولده في ارتكاب ما حرّم الله -جلّ وعلا-؛ يعني: يأمره بأن يمتثل أمره، ولو كان في ذلك معصية لله. والنبي -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ». ولا شك أن هذا السلوك من التربية سلوك سيءٌ؛ لأن فيه حجراً على الولد من جهة، وتضييقاً عليه، وكبتاً لمواهبه؛ لأن كلّ شخصٍ له مواهب، وهذه المواهب إذا وجدت أمامها مجالاً تنطلق معها ويناسب معها؛ ظهرت هذه المواهب.
وإذا كان الجو الذي يعيش فيه صاحب هذه المواهب، ضيّقاً حينئذٍ تنكبت هذه المواهب، ويخسره والده من جهة، ويخسر نفسه من جهة ٍأخرى، ويخسره المجتمع من جهةٍ ثالثة، ويخرج هذا الشخص على المجتمع شخصاً معقّداً في عقليته ونفسيته، ويتصور أن الناس كأبيه من ناحية المعاملة، ولهذا يتهيب من المجتمع، ويحتاج إلى فترةٍ طويلةٍ من أجل أن يتحوّل عن هذا التعقيد إلى وضعه الطبيعي. فعلى الآباء أن يتقوا الله في أولادهم، وأن يتجنبوا هذا المسلك المشين.
والصنف الثالث من الناس هم الذين يسلكون مسلك العدل، فينظرون إلى التربية الشرعية؛ سواءٌ كانت تربية ً قولية، أو كانت تربيةً فعلية، أو كانت تربية من الناحية المالية، أو كانت تربية من الناحية المنهجية، فيشقون الطريق لأولادهم، ويربونهم تربيةً حسنة؛ سواءٌ كانوا ذكوراً أو إناثاً. ويتعامل الوالد مع كلّ أولاده على حسب مواهبهم؛ لأن كلّ شخصٍ له مواهب، وينبغي أن تكتشف مواهبه، وبعد اكتشاف هذه المواهب يمكن التعامل مع الولد على أساسها.
فعلى سبيل المثال قد يكون الولد أحمق، وقد يكون حليماً، وقد يكون شجاعاً، وقد يكون جباناً، وقد يكون ذكياً للغاية، وقد يكون غير ذكي، وقد يكون بعيد النظر، وقد يكون قريب النظر، وقد يكون واسع النظر، وقد يكون ضيق النظر، إلى غير ذلك من الصفات التي وضعها الله -جلّ وعلا- في عباده.
والإنسان عندما يلقي نظرةً على الناس بوجهٍ عام -يجد أنهم يختلفون في الصفات اختلافاً بيّناً، فينبغي أن يتجنّب الإنسان في تربية أولاده مسلك الإفراط، وأن يتجنّب مسلك التفريط، وأن يسلك فيهم مسلك العدل، وأن يسأل ربه أن يعينه على تربيتهم.
ومما يحسن التنبيه عليه -هنا- وهو أمرٌ مهمٌ جداً أنه لا ينبغي للوالد أن يعمل شيئاً مما حرّمه الله -جلّ وعلا-؛ لأنه قد يأمر ولده بصفةٍ حسنةٍ، وهو يرتكب خلافها، وقد يأمر ولده بخصلةٍ حسنةٍ، وهو يرتكب خلافها. فعلى سبيل المثال قد يكون الأب لا يصلّي أصلاً، ويأمر ولده بالصلاة، أو يصلّي في البيت دون عذرٍ، ويأمر ولده أن يصلّي مع الجماعة.
فالمقصود أنه لا ينهاه عن فعلٍ قبيحٍ ويفعله، ولا يأمره بعملٍ صالحٍ ويتركه؛ بل يكون قدوةً حسنةً لأولاده في أفعاله وفي أقواله. وفيما يكف عنه، وكذلك في بذل ماله، قد يبذل شيئاً من ماله في وجه حرام، وينصح ولده أن ينفق ما يعطيه من المال في وجهٍ حلال؛ لأن هذا من التربية الازدواجية، فإذا كان الأب يأمر ولده بما يحبه الله، وهو مخالفٌ لما يأمر به، أو ينهاه عما حرّم الله -جلّ وعلا- وهو يفعل هذا المحرّم، فقد يكون ذلك مانعاً من قبول الابن لنصائح والده؛ لأنه يقول بينه وبين نفسه: كيف يأمرني أبي بكذا ويتركه؟ وكيف ينهاني عن كذا ويفعله؟
أما بالنسبة لهذه المسألة المسؤول عنها بالذات، فعلى الولد أن يتقي الله -جلّ وعلا- في نفسه، وألا يصدر منه من جهة أبيه ما يغضب الله -جلّ وعلا-، وعلى الأب أن يعود إلى رشده، وأن يتقي الله -جلّ وعلا- في ولده هذا، وفي غيره من الأولاد؛ لأنه قد يعاقب بأن الله يحرمه نفعهم في الدنيا، ويحرمه نفعهم بعد موته؛ أي: إنهم لا يبرونه لافي الدنيا، ولا يبرونه بعد وفاته. وبالله التوفيق.
المذيع: شيخ عبد الله يسأل عن قضية هذه الفتاة التي خطبها أبوه، وهو لا يرغب فيها.
الشيخ :هذه المسألة في الحقيقة لها أهمية، وذلك أن الابن قد يرغب فتاةٍ لا يرغبها أبوه، وقد يرغب فتاةٍ لا ترغبها أمه، وقد يجبره أبوه على زواج فتاةٍ، وقد تجبره أمه إلى غير ذلك.
والطريقة التي يسلكها الإنسان هي أن المرأة التي يريد أن يتزوجها إذا كانت مرْضِية في دينها، وفي أمانتها، ومن أسرةٍ كريمة؛ يعني: إن المانع هو ناحية نفسية، وليست ناحيةً شرعية، فرأيي أن الشخص يتغلب على هذه الناحية النفسية؛ لأن الله قد يخلف عليه خيراً بسبب برّه بوالده، أما إذا كان هناك مانع من الموانع الشرعية التي يكون لها أثر بالغ على الحياة الزوجية، إما أن تكون المرأة غير صالحةٍ من ناحية جمالها، أو من ناحية جسمها، أو من ناحية أسرتها، أو هناك عذرٌ شرعيٌ قائمٌ؛ فليس للأب حقٌ أن يجبر ولده على هذا الشيء، والولد في هذه الحالة يكون معذوراً فيما بينه وبين نفسه، فالأب يكون مشيراً وليس ملزماً، والأم تكون مشيرة ولا تكون ملزمة. وعلى الابن ألا يستغني عن مشورة أبيه وأمه؛ لأن والده أعلم بأمور الرجال منه، وأمه أعلم بأمور النساء منه، وعلى كلّ حال إذا أحسن النية، واتقى الله -جلّ وعلا- فقد قال الله -تعالى-: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"[1]، وقال ﷺ:« تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تربت يداك ». وبالله التوفيق.