تفسير قوله تعالى:وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا......
- التفسير
- 2021-09-22
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1698) من المرسل ع. ب من الرياض، يقول: ما تفسير قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ"[1] إلى آخر الآية.
الجواب:
هذه الآية جاءت في سياق قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"[2] وفي صدر هذه الآية بيان العزيمة، وفي آخرها وهو ما اقتصر عليه السائل فيه بيان الرخصة، وذلك أن الشريعة منقسمةٌ إلى قسمين:
القسم الأول: باب العزائم.
والقسم الثاني: باب الرخص.
فأما باب العزائم: مشروعية الوضوء والغسل، ومشروعية الصلاة رباعية؛ً كالظهر، والعصر، والعشاء؛ ومشروعية أداء كلّ صلاةٍ في وقتها، فالظهر تُصلى في وقتها؛ وهكذا سائر الصلوات.
والرخصة هي: تكون بجانب العزيمة بمعنى: إن العزيمة إذا كان فعلها حسب العادة يؤدّى إلى مشقةٍ خارجةٍ عن المعتاد؛ فإن المكلف يأخذ بالرخصة بدلا ًعن العزيمة، وهذا كثيرٌ جداً في الشريعة لا يكاد بابٌ من أبواب الشريعة يخلو منه.
وما ذكره السائل هو رخصة في باب الطهارة.
وقد ذكر الله -جل وعلا- عدة أسباب هنا، منها:
المرض، فالمريض مشروعٌ له أن يتيمم إذا كان استعمال الماء يزيد في مرضه، أو يجعل مرضه يبقى على حالته، فشرع له أن يتيمم، وإذا كان الألم في موضعٍ معين شرع له أن يمسح عليه، وقد تكون الحالة تدعو إلى أن يجمع بين المسح والتيمم في حالة وضع جبيرة على حسب اختلاف الأحوال.
وذكر الله -جلّ وعلا- السبب الآخر وهو السفر، فالسفر سببٌ من أسباب الرخصة، فإذا كان الشخص مسافراً، فإنه يتيمم إذا كان لا يجد الماء : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ في قوله تعالى أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ هذا إشارة إلى الحدث الأصغر؛ يعني: أن التيمم يكون للحدث الأصغر)، وفي قوله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ هذا فيه إشارة إلى الحدث الأكبر، وهذا يعني أن المريض والمسافر يتيمم من الحدث الأصغر ومن الحدث الأكبر، ثم بعد ذلك بيّن الله -جلّ وعلا- صفة التيمم فقال تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فبيّن مشروعية التيمم بقوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا وبيّن صفة التيمم بقوله: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ، ففي قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا، هذا يدل على أن الشخص يتيمم بطاهرٍ يكون طاهراً ويكون مباحاً، ويكون صعيداً؛ لأن الله -جلّ وعلا- قال في آخر الآية: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ؛ فهذا يدل على أنه لابد أن يكون تراباً يتصاعد منه الغبار.
وعلى هذا الأساس فيه بعض الناس يُجيز التيمم بالأشجار والأحجار والخشب وما إلى ذلك، وهذا لا يصح أن يُطلق عليه اسم الصعيد، ولا يتصاعد منه غبار.
وأما بالنسبة لصفة التيمم: فإن الله -جلّ وعلا- بيّن الصفة فقال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، فيضرب من يريد أن يتيمم الأرض بيديه فيمسح وجهه، ثم يضرب الأرض مرةً أخرى بيديه فيمسح بهما يديه ظاهرهما وباطنهما. ثم قال -تعالى- في آخر الآية: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ في هذه الجملة بيان نفي إرادة الحرج، وهذه أبلغ آيةٍ جاءت في القرآن من ناحية مشروعية رفع الحرج عن هذه الأمة، فإن الحرج الذي جاء في القرآن جاء النفيُ فيه من ناحية الحرج، وجاء النفي فيه من ناحية إرادة الحرج؛ يعني: نفي إرادة الحرج، فهذه الآية هي أبلغ آيةٍ جاءت في القرآن من ناحية أن المشقة تجلب التيسير.
والحاصل من هذا الكلام كلّه هو أن الله -جل ّوعلا- بيّن في هذه الآية سببين من أسباب الرخصة، وبيّن أن هذه الرخصة وهي التيمم أنها تكون للحدث الأصغر وتكون للحدث الأكبر. وبالله التوفيق.