Loader
منذ سنتين

ما الأفضل في حفظ القران، هل يبدأ من البقرة أم من جزء عم؟


الفتوى رقم (9076) من المرسلة السابقة، تقول: ما الأفضل في حفظ القرآن هل يبدأ الإنسان من سورة البقرة أو يبدأ بجزء عمّ لكون السور قصيرة ثم يتدرج؟

الجواب:

        الشخص الذي يريد أن يحفظ القران يحتاج إلى أمور:

        أما الأمر الأول فهو: تحديد الموضوع من السورة، ففي سورة البقرة ذكر الله -جل وعلا- أصناف الناس وأنهم ثلاثة، فذكر المؤمنين في أربع آيات وذكر الكافرين في آيتين، وذكر المنافقين قفي ثلاث عشرة آية، وهكذا ذكر بعد ذلك دعوة هؤلاء إلى التوحيد، ويمتد ذلك إلى قصة الاستخلاف في الأرض، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[1].

        فعندما يحدد الموضوع هذا هو الأمر الأول، ينظر في هذا الموضوع من حيث المفردات اللغوية؛ لأنه قد يشتمل على مفرداتٍ تحتاج إلى بيان معناها، فإن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- ذكر أن الناس بالنسبة للقرآن على أربعة أصناف:

        الصنف الأول: ذكر أنهم لا يعلمون ذلك، وهذا من المتشابه الحقيقي الذي استأثر الله بعلمه، فهذا عامٌ لجميع الناس؛ يعني: لا يحق لهم أن يدخلوا في هذا المجال، هذا نوع.

        الصنف الثاني: قال إنه تفسيرٌ تعرفه العرب من لغتها؛ كالزنيم، والخرطوم والذي أشير إليه قبل قليل من ناحية معرفة المفردات.

        الصنف الثالث: لا يعذر أحدٌ بالجهل به؛ كقوله: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ.

        الصنف الرابع: يعلمه العلماء، وهو المتشابه الإضافي؛ كما في قوله -جل وعلا-: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[2]، وكما في قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}[3] فأجاب العلماء عن هاتين الآيتين، وما أشبههما أن مواقف القيامة تكون مختلفة ففي بعض المواقع لا يسألون وفي بعضها يسألون.

        وبعدما ينتهي من معرفة المفردات وهو الأمر الثاني ينظر في هذه الآيات هل لها سبب نزول؟

فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل القرآن على ثلاثة أصناف:

        الصنف الأول: ما نزل ابتداءً؛ يعني: بدون سبب؛ كمشروعية الصلاة، مشروعية الزكاة، ومشروعية الحج، فهذا نزل ابتداءً.

          الصنف الثاني: نزل بسببٍ مقرونٍ به، ويندرج تحت هذا جميع ما ورد في القرآن من الأسئلة؛ كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}[4]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ}[5]،  {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}[6] إلى غير ذلك من الأسئلة.

        الصنف الثالث: ما ورد له سبب؛ ولكنه لم يذكر، فعلى الشخص أن ينظر هل هذه الآية مما نزل ابتداءً، أم أنها من الآيات التي قرن بها سببها، أم أنها من الآيات التي لها سبب؛ ولكن هذا السبب لم يذكر، فعليه أن يرجع إلى معرفة هذا السبب؛ لأن معرفته تسهل معرفة معنى الآية.

        الأمر الرابع: أن ينظر في هذه الآيات التي يريد أن يحفظها، هل هي محكمة أو ناسخة أو منسوخة؟ وذلك من أجل أن يقرأها في ذهنه على أنها ناسخة أو أنها منسوخة أو أنها محكمة، هذا هو الأمر الرابع.

        الأمر الخامس: أن ينظر في موضوع هذه الآيات ما هو الموضوع، هل هي تتعلق بالصلاة، تتعلق بالزكاة، تعلق بالحج، تتعلق في المعاملات، إلى غير ذلك من الأمور.

        الأمر السادس: أن ينظر في المعنى العام لهذه الآيات، فعندما يفهم المعنى العام، بعد هذه الأمور الستة يتوجه إلى حفظ هذه الآيات.

        ويستمر على ذلك من بداية القرآن إلى نهايته، لكنه لو بدأ من المفصل فأمر ذلك راجعٌ إليه، ففيه كثير من السور تكون في موضوعٍ واحد يعني من السور القصيرة تكون في موضوعٍ واحد، وفيه سور تشتمل على موضوعين، وفيه ما يشتمل على ثلاثة مواضع أو أربعة مواضع، فسورة البقرة مثلاً تشتمل على أربعين موضوع.

        وبهذه الطريقة يكون الإنسان قد فهم معنى القرآن قبل حفظ حروفه، وهذا يسهل عليه استذكاره من ناحية الغيب، ويسهل عليه معرفة الأحكام الشرعية عند الحاجة إليها، وبالله التوفيق.



[1] من الآية (30) من سورة البقرة.

[2] الآية (39) من سورة الرحمن.

[3] الآيتان (6-7) من سورة الأعراف.

[4] من الآية (217) من سورة البقرة.

[5] من الآية (187) من سورة الأعراف.

[6] من الآية (85) من سورة الإسراء.