Loader
منذ سنتين

تفسير قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.......}


  • التفسير
  • 2021-12-22
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (4545) من المرسل السابق، يقول: ما تفسير قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)}[1].

الجواب:

        هذه الآية من جملة الآيات المشتملة على الوصايا من الله جل وعلا، فيأتي في القرآن وصية مصدرة لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، ويأتي وصية مصدّرة بقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ.

        والشيء الموصى به بعدها إما أن يكون من الأمور التي يرغب فيها؛ يعني: من الأمور التي يُحقِّق فعلها المصلحة للشخص مصلحةً دنيوية، أو أخروية، أو هما جميعاً، أو شيءٌ يحذر عنه.

        ففي هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[2]، و{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[3]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}[4].

        فعندما يجد القارئ وهو يقرأ القرآن هذا الأسلوب فليتنبه إلى الوصية التي بعد هذا النداء؛ لأنه هو المُنادى والمعني بهذه الوصية، فهو إما خيرٌ يؤمر به، وإما شرٌ يُحذر عنه.

        وهذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، فيها تنبيهٌ على أن الإنسان في هذه الحياة يسعى وسعيه مشتملٌ على أسبابٍ، وهذه الأسباب تترتب عليها مسبباتها، فالسبب الذي يأخذ به الشخص قد يكون من أسباب الخير وقد يكون من أسباب الشر، وترتب المسببات على هذه الأسباب هذا راجعٌ إلى الله جل وعلا، فقد يأخذ الإنسان بأسبابٍ يكون بمقتضاها تاجراً في الدنيا وتاجراً في الآخرة، وقد يأخذ بأسبابٍ يكون خاسراً في الدنيا وخاسراً في الآخرة، فالشخص يكون تاجراً في هذه الحياة الدنيا بقدر ما يعمله من أعمالٍ صالحة، ويكون خاسراً في هذه الحياة الدنيا بقدر ما يحصل منه من المخالفات، ويوم القيامة يجد ما عمله من أعمالٍ صالحة أو ما عمله من أعمالٍ طالحة يجده، فإما أن يكون من الرابحين، وإما أن يكون من الخاسرين.

        ففي هذه الآية تنبيهٌ على جملة من الأسباب التي إذا أخذ بها الشخص صار تاجراً في الدنيا وتاجراً في الآخرة؛ لأن التجارة الحقيقية ليست تجارة المال، وإنما التجارة الحقيقية هي أن يكون الشخص على وضع يرضي الله جل وعلا، {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[5]، التجارة هي السبب، وقوله تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ هذا هو الأثر المترتب على الأخذ بهذه الأسباب في الدنيا تكون هذه النتيجة في الآخرة هو النجاة من النار، وإذا نجا من النار فإنه صار من أهل الجنة، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

        فالشخص إذا سار في هذه الحياة على طريق الحق، صارت النتيجة المترتبة على ذلك له في الآخرة النجاة من عذاب الله جل وعلا والفوز بالجنة.

        ثم قال تعالى مبيناً هذه التجارة: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}[6] والإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.

        ثم إنه لا بد لهذا التصديق من عمل، وهو العمل بأركان الإسلام، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وذلك أن مجرد التصديق بدون أعمال لا يكفي، ووجود الأعمال بدون تصديق لا تصح، فالإيمان والإسلام متلازمان فوجود الإيمان شرطٌ في صحة أعمال المسلم، وأعمال الإسلام هذه محققةٌ للإيمان، فقوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يعني أنكم تأتون بالإيمان، وتأتون أيضاً بالإسلام ما كان من أعمال القلوب، وما كان من أعمال اللسان، وما كان من أعمال الجوارح الأخرى، فلا بد من تحقق أركان الإيمان والإسلام.

        وقوله: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني هذا فيه التصديق بالرسول ﷺ، والتصديق بما جاء به من السنة، وكما ذكرت قبل قليل لا بد من توفر جميع أركان الإيمان، ولا بد من توفر جميع أركان الإسلام، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هذا فيه تنبيهٌ على بعض خصال الإيمان، والجهاد جهاد الكفار لإدخالهم الإسلام وكذلك جهاد من ارتد عن الإسلام لإرجاعه إلى الإسلام، وكذلك الجهاد من جهة الدعوة إلى الله جل وعلا بالقول أو بالعمل أو بالمال.

        فالشخص يجاهد على قدر استطاعته تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ؛ لأن الشخص قد يستطيع الجهاد بنفسه وماله، وقد يستطيع الجهاد بنفسه فقط ليس عنده مال، وقد يستطيع الجهاد بماله ولا يستطيع الجهاد بنفسه، فالله ذكر المال والنفس وذلك من أجل أن كل شخصٍ يقوم بالجهاد على قدر استطاعته، ولا ينبغي أن ينظر الشخص إلى كثرة المال أو إلى كثرة الجهاد بالنفس، ولكنه يُقدم ما يستطيعه من المال ويقدم ما يستطيعه من قوة نفسه، قد يكون أيضاً نافعاً لا من جهة جسمه ولكن قد يكون نافعاً من جهة عقله، من جهة رأيه، وما إلى ذلك، ومن المعلوم أن الله جل وعلا قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[7]، وقال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[8]، فالإنسان يقدم ما يستطيعه. وبالله التوفيق.



[1] الآيتان (10-11)من سورة الصف.

[2] الآية (10) من سورة الصف.

[3] من الآية (1) من سورة النساء.

[4] من الآية (130) من سورة آل عمران.

[5] من الآية (10) من سورة الصف.

[6] من الآية (11) من سورة الصف.

[7] من الآية (16) من سورة التغابن.

[8] من الآية (6) من سورة المائدة.