Loader
منذ سنتين

شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


  • فتاوى
  • 2021-12-03
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (2258) من المرسل السابق، يقول: ما شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل على كلّ مسلمٍ يحفظ كتاب الله والتفسير، وما جاءت به سنة النبي ﷺ أن يقوم بهذا الركن العظيم؟

فأنا لم أتخرج من جامعة،  ودرست عند بعض المشايخ، فتعلّمت القرآن، وشيئاً من السنة والتفسير، وبعض كتب السلف، هل عليّ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر؟

الجواب:

        هذه المسألة من المسائل الكبيرة والعامةّ التي يُحتاج إليها في كلّ مجتمع، وذلك أن المجتمع يوجد فيه من يكون مقصّراً في باب الأوامر، أو يكون مرتكباً لما حرّم الله -جلّ وعلا-، وقد يكون ذلك فيما بينه وبين الله، أو فيما بينه وبين نفسه، أو فيما بينه وبين فردٍ من أفراد المجتمع، أو يتسبب في أذىً عامٍ للمجتمع.

وهذا الأمر من ناحية تغييره، لا شك أنه يحتاج إلى من يقوم بهذه المهمة، والنبي ﷺ، بيّن من يقوم بها في قوله: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.. » الحديث.

        فقد بيّن ﷺ أن وسائل التغيير قد تكون باليد، وقد تكون باللسان، وقد تكون بالقلب. فإذا كان الشخص عنده سلطة تنفيذية يستطيع بها أن يغيّر المنكر بيده فإنه يغيره، وإذا كان لا يستطيع أن يغيّره بيده وعنده علم، يكون عالماً بما يأمر به، ويكون عالماً بما ينهى عنه، ويكون حكيماً فيما يأمر به، ويكون حكيماً فيما ينهى عنه. فحينئذٍ ينهى بلسانه.

 وإذا كان التغيير باللسان يترتب عليه مفسدة راجحة، أو يفوّت مصلحةً راجحة، أو ينشأ عنه ارتكاب مفسدةٍ راجحةٍ، أو مفسدة مساوية للمصلحة؛ فحينئذٍ ينتقل إلى التغيير بالقلب؛ بمعنى: إنه يكره هذا العمل، يكره هذا المنكر، ويكره فاعله، ويهجره لوجه الله -جلّ وعلا-.

        وقد جاءت آية في القرآن تدل على أنه لا بدّ من التعاون على هذا الأمر بين الآمر وبين المأمور، فكما أن الآمر يأمر بالخير وينهى عن الشر؛ فكذلك المأمور والمنهيُ يجب عليه أن يتعاون مع الآمر ومع الناهي، وهذه الآية هي قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ"[1]، فطاعة الله باتباع كتابه، وطاعة رسوله ﷺ بعد موته باتباع سنته، وطاعة أولي الأمر، وهم قسمان:

القسم الأول: أولو الأمر الذين لهم سلطة التنفيذ.

القسم الثاني: أولو الأمر الذين عليهم بيان الحلال والحرام.

 فأهل العلم يبيّنون الحلال والحرام، وأهل التنفيذ ينفّذون ما بيّنه أهل العلم، والذين يقعون في المخالفات عليهم أن يمتثلوا أمر أهل العلم من ناحية البيان، وعليهم أن يمتثلوا أمر ولاة الأمور في ناحية التنفيذ، وبهذا تتحقق المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.

 ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المجال هو أن بعض الناس قد يسلك هذا المسلك؛ ولكنه لا يكون عالماً بما يأمر به، ولا بما ينهى عنه، ولا يكون حكيماً فيما يأمر به، ولا في ما ينهى عنه، ولا يعرف هل هو من أهل اليد، أو من أهل اللسان، أو من أهل القلب؛ فتكون عنده غيرة وحماس؛ ولكنه فاقدٌ للعلم من جهة، وللحكمة من جهةٍ أخرى، ولا يعرف حدود مسؤوليته، فقد يتقمّص شخصية الوالي العام للحسبة، ويحاول أن يقوم مقامه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

        فعلى الإنسان إذا أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يعرف نفسه أولاً، وأن يعرف مسؤوليته، وأن يعرف ما عنده من العلم، وأن يحدد هذه المشكلة التي يريد أن يعالجها، وأن يحدد الأساليب التي يمكن أن يعالج بها هذه المشكلة؛ بشرط ألا يترتب عليها مفسدةٌ أعلى منها، أو مفسدة مساوية للمصلحة، وأيضاً لا يترتب على عمله هذا تفويت مصلحةٍ عليا لحصول مصلحةٍ دنيا، أو ارتكاب مفسدةٍ عُليا مع دفع مفسدةٍ دنيا. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (59) من سورة النساء.