توجيهات لبعض شباب الصحوة الذين يستعجلون في ممارسة الدعوة وإصدار الفتاوى بغير علم
- فتاوى
- 2021-12-12
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3601) من المرسل ع. م. م. هـ من القصيم بريده الصفراء، يقول: ما توجيهات فضيلتكم لبعض شباب الصحوة الذين يستعجلون في ممارسة الدعوة وإصدار الفتاوى بغير علم؟
الجواب:
من المعلوم أن الشخص تكون لديه قدرة على الكلام، ولكن قد يكون فاقداً للبصيرة فيما يقوله من الكلام، من جهة كونه صحيحاً أو غير صحيح، وذلك أن الإنسان عندما يتكلم قد يتكلم عن غير علم، وقد يتكلم عن علم، والمتكلمون عن علم على درجات بحسب ما لديهم من العلم؛ ولكن من الأمور المؤسفة أن الشخص قد يضع نفسه في موضع يتكلم فيه وهو ليس من أهله، وكثير من الأشخاص الذين تكون لديهم رغبة في إلقاء المحاضرات، يتكلم في المحاضرة وهو على غير المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه حينما يتكلم، حينما يحاضر على جمهور يبلغون عدداً لا بأس به، فقد يبلغون المائة، والمائتين، أو الخمسمائة، أو الألف، ثم بعد الانتهاء من محاضرته يستقبل أسئلة الحاضرين، ويصعب عليه أن يترك الإجابة عن بعض هذه الأسئلة، فتكون عنده جرأة يجيب على الأسئلة حتى لا يقول أحد من الحاضرين: إن هذا ليس عنده علم. ونحن إذا نظرنا إلى العلماء السابقين من الصحابة، ومن التابعين، ومن أتباع التابعين، وجدنا أنهم يحرصون على أن يتعلموا العلم قبل أن يتكلموا، ولهذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا جلسوا مجلساً من مجالس العلم، وأتاهم سائل كانوا يتدافعون الفتوى، كلّ واحد يحيل الفتوى إلى الذي يليه؛ لأنه يرى أنه متأهل بالإجابة. وإذا نظرنا إلى من بعدهم من العلماء، وجدنا أنهم يحرصون على أن يتعلموا العلم قبل أن يتكلموا هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الشخص عندما يُسأل عن المسألة، إذا كان عنده جواب وهو على بصيرة منه أجاب عنه، وإذا لم يكن عنده علم أصلاً، أو كان عنده علم ولكنه ليس بمتأكد من الجواب تماماً قال: لا أدري، وقد جاء رجل إلى الإمام مالك فسأله عن أربعين مسألة، فأجابه عن أربع، وقال له في ست وثلاثين: لا أدري، فقال له السائل: أنت مالك بن أنس تُضرب إليك أكباد الإبل من شرقها وغربها وتقول في ست وثلاثين مسألة: لا أدري؟! فقال له الإمام مالك -رحمه الله-: إذا كان لا يُعجبك هذا الجواب فامش في أسواق المدينة، وقل: سألت مالكاً عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع، وقال في ست وثلاثين: لا أدري[1].
والإمام البخاري في صحيحه قال: باب تفقهوا قبل أن تسودوا[2]، وقد تفقّه أصحاب رسول الله ﷺ، ولكن كثيراً من الشباب يبحثون ويضعون أنفسهم في السيادة قبل أن يتفقهوا؛ لأنهم لا يتصورون حجم العلم الذي ينبغي أن يتحصل عليه الشخص، حتى يكون مؤهلاً للإجابة على أسئلة السائلين، ويكون مؤهلاً لإلقاء المحاضرات التي يُبصّر بها الناس، فيُبيّن لهم الحلال والحرام، فيحرصون على الكلام أكثر من حرصهم على التعلم. والواحد منهم إما أن يكون جاهلاً جهلاً مركباً، وإما أن يكون جاهلاً جهلاً بسيطاً.
فالعاقل هو الذي يكون جاهلاً جهلاً بسيطاً، أي: إنك إذا سألته قال: لا أدري. ولكن الجاهل المركب هو الذي إذا سألته أفتاك بغير علم وبصيرة. ولهذا يقول بعض العلماء:" الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك العالم فاسألوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك الجاهل فعلِّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك الأحمق فاصفعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك الناسي فذكِّروه". فلا يخرج الإنسان عن أن يكون واحداً من الأربعة.
ومن المعلوم أن العلم أمانة فلا يجوز للإنسان أن يتعدى على هذا العلم، ويتكلم فيه على غير بصيرة، يقول شيخ الإسلام:" يُفسد الناس أربعة: نصف متطبب، ونصف متفقه، ونصف متكلم، ونصف نحوي" فنصف المتطبب هذا يُفسد الأبدان، يعني: يُجري عملية جراحية وهو لا يُحسن الدخول فيها، ولا المضي فيها، ولا الخروج منها، فيقتل الشخص، أو يصف له دواء يقتله، أو يُحدث عنده مرض؛ لأنه ليس على بصيرة من الطب.
ونصف الفقيه يُفسد الأديان؛ لأنك تسأله عن الحرام فيقول: حلال، وتسأله عن الحلال فيقول لك: إنه حرام؛ لأنه ليس عنده بصيرة فيما يقول. وكثير جداً من شباب الصحوة الذين يسمّون أنفسهم بهذه التسمية هم من هذا القسم، هذا إذا كان عندهم نصف متفقه؛ لكن كثيراً منهم لا يكون عنده من الفقه شيء، يكون عنده محبة للكلام، وبعضهم متخصص في الطب، متخصص في الهندسة، متخصص في الكيمياء، متخصص في الفيزياء، في الرياضيات، ومع ذلك تكون عنده جرأة على الكلام في التوحيد، في الإيمان، في العبادات، في المعاملات، يكون منجنيقاً في التحريم وفي التحليل؛ لأنه قادر على الكلام وليس عنده بصيرة في الكلام. وكذلك الذين يتخرجون من المتوسطات ومن الثانويات كثير منهم عندهم هذه الجرأة.
ونصف النحوي يُفسد اللسان؛ لأنه يرفع المجرور ويجر المرفوع وهكذا، يعني: يسير في اللغة العربية ويتكلم بها على غير قواعدها، فهذا يفسد اللسان، لسانه هو فاسد؛ وكذلك يُفسد غيره إذا كان معلّماً، أو كان محاضراً ويتطرق في محاضراته لهذا النوع من النحو.
والرابع يُفسد الجنان وهو نصف المتكلم الذي يتعلم شيئاً من التوحيد؛ ولكنه ليس عنده بصيرة يخلص بها ابتداء من المسألة التي يريد أن يتكلم فيها، ويسير في هذه المسألة حتى يأتي إلى نهايتها، ويتوصل إلى نتيجة صحيحة، وإنما يخبط خبط عشواء، لا يدري ما يقول! هل ما يقوله حق أو باطل؟ ولكن تكون عنده قدرة على الكلام، ولكن ليست عنده بصيرة في الكلام.
فالواجب على المسلم أن يعرف قدر نفسه، وأن يضع نفسه في الموضع الذي يليق بها، فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
وإذا كان لا يعرف الإنسان قدر نفسه، ولا يضع نفسه موضعها، فواجب على ولاة الأمور أن ينظروا في هذا الأمر، وأن يضعوا كلّ واحد في الموضع اللائق به.
ومما يحسن التنبيه عليه أننا إذا نظرنا إلى كثير من مجالات الحياة، وجدنا عدم الجرأة عليها، وأنها تسير على نظام واحد، فعلى سبيل المثال القضاء له محاكمه ونظامه، والمرور له نظامه، وبيع الأدوية في الصيدليات له نظامه، والطب في جميع مجالاته له نظامه يعني: أنه لا يزاوله إلا شخص على بصيرة منه. لكن مع الأسف عندما ننظر إلى أمور الإيمان والتوحيد والعبادات والمعاملات، نجد أن كثيراً من الشباب يتجرؤون عليها بدون زمام يُمسك لهذا الشخص، فالإنسان بما أنه لا يمسك نفسه، فالواجب أن يوقف عند حده؛ رحمة به من جهة، ورحمة بالناس من جهة ثانية، وأداء للأمانة من جهة ثالثة، وقياماً بحق الله -جلّ وعلا- من جهة رابعة. وبالله التوفيق.