من الشباب من يقنع الآخرين بأسلوبه، ومنهم من يكثر الجدل. وتصدروا للفتوى
- الفتوى والمفتي
- 2022-03-05
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (11893) من المرسل السابق، يقول: من يفتي بغير علم منهم الآن من الشباب يا شيخ يقنع الآخرين بإجابته بأسلوبه، ومنهم من يكثر الجدل. هؤلاء الشباب الآن بدؤوا يتصدرون الفتوى، ما نصيحتكم؟
الجواب:
يقول الله -جل وعلا-: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)}[1]، ويقول الله لنبيه ﷺ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[2].
فالواجب على الشخص أن يتعلم أولاً ثم بعد ذلك يعلم، ولذلك يقول -جل وعلا-: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[3]، ويقول -جل وعلا-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[4].
فلابد من العلم أولاً، ثم العمل به، ثم التكلم والدعوة إليه؛ أما كون الإنسان يفسح المجال لنفسه ويستحي من أن يقول: لا أدري، فهذا لا شك أنه لا يجوز ذلك.
ومن المعلوم أن الصحابة -رضي الله عنهم- عندما يأتي المستفتي يتدافعون الفتوى إلى بعض خوفاً من الله جل وعلا. وكذلك بعض العلماء كالإمام أحمد -رحمه الله- يقول: "من ترك لا أدري أصيبت مقاتله". والإمام مالك سُئل عن أربعين مسألة، فقال في ست وثلاثين: لا أدري. وأجاب عن أربع، فقال له السائل: يا أبا عبدالله، تضرب إليك أكباد الإبل من شرقها وغربها وتقول: لا أدري، فقال له: امش في أسواق المدينة وأخبرهم أنك سألتني عن هذه المسائل وأنني أجبتك عن أربع وقلت في ست وثلاثين لا أدري).
فالواجب على الإنسان أنه لا يتكلم إلا بعلم. ولا شك أن احتكاك الشباب بعضهم لبعض؛ وكذلك إغراء بعضهم لبعض، وإظهار بعضهم الثقة من البعض الآخر يدفع هذا الشخص الموثوق به إلى الجرأة. وإذا نظرنا إلى هذا الشخص وجدنا أنه يتضرر؛ لأنه ليس عنده علم فيكون خالف النهي في قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[5]، فهو تكلم فيما ليس له به علم فيكون آثماً. ثم إن هذه الفتوى التي صدرت منه صدرت إلى شخص أو إلى عدة أشخاص وسيعملون بها وهي باطلة، وقد يتمكن بعدما يعرف أنه أخطأ في الفتوى في إخبار بعضهم وقد لا يتمكن؛ فحينئذ يكون متحملاً لإثم الأعمال التي عملوها بناء على الفتوى التي أفتاهم بها.
من ناحية أخرى يُوجد مع زملائه طبقة تنتسب إلى العلم والعلم بريء منها؛ هذه الطبقة يتواصى بعضهم على بعض على أنهم يقومون بهذه المهمة؛ كلٌّ في الجهة التي هو ساكن فيها، أو المسجد الذي يصلي فيه. وقد يعملون رحلات أو يجتمعون في استراحات ويلقّح بعضهم بعضاً في مثل هذه الأمور.
ومع امتداد الزمن وامتداد العمر وتعلم الشخص؛ وكذلك ما يعرض له من أعمال سيأتي عليه يوم من الزمان يندم على ما فعله في سابق أمره؛ لأن حقيقته أنه جاهل مركب؛ لأن الجاهل المركب هو الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري. أما الجاهل جهلاً بسيطاً فإنه لا يدري ويدري أنه لا يدري، فهذا عندما يُسأل يقول: لا أدري؛ لكن شخص يُسأل أو يتكلم في أمور ويحرّم حلالا أو يحلّل حراماً، أو يتساهل في أمور لا يجوز التساهل فيها، أو يشدد في أمور لا يجوز التشديد فيها؛ كل هذه الأمور يكون الشخص جاهلاً جهلا مركباً.
فالواجب على كل شخص أن يتنبه إلى ما يقوله، فإن الملك يكتبه ويعرض هذا على الله يوم الإثنين والخميس، وسيوقفه يوم القيامة ويسأله لماذا قلت هذا وافتيت بهذا؟ فحينئذ لا يكون عنده جواب، ويكون من الذين قالوا على الله بغير علم، ويلقى جزاءه عند الله -جل وعلا- إن لم يعفُ عنه. وبالله التوفيق.