Loader
منذ سنتين

اختلاف الفتاوى بين العلماء شتت الأمة وجعل ضعاف النفوس يتكلمون على هذا الخلاف وعلى العلماء


الفتوى رقم (10657) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: كثرت في أيامنا هذه اختلافات الفتاوى بين العلماء مما شتت الأمة وجعل ضعاف النفوس يتكلمون على هذا الخلاف الكثير فأخذوا ما ينفع ويتبع هواهم ملقين باللوم وحمل الإثم على من أفتى حتى طالت الاختلافات في الفتاوى وطالت إلى كبار العلماء فما تعليقكم على ذلك؟

الجواب:

        هذه المسألة أو هذا السؤال يتعلق بالمُفتي من جهة، ويتعلق بالمستفتي من جهةٍ أخرى؛ وكذلك يتعلق بالفتوى.

        وبناءً على ذلك: فإن الشخص الذي هو المستفتي إذا أشكل عليه أمر من الأمور، فقد قال الله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[1] فيسأل عما أشكل عليه.

        وأما المُفتي فقد قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[2]، وقال -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[3]، فلا يجوز للشخص أن يفتي في مسألةٍ إلا وعنده علمٌ منها.

        وأما بالنظر للشيء المستفتى عنه فهذا متعلقٌ بالمستفتي من جهة، ومتعلق بالمفتي من جهةٍ أخرى؛ وذلك أن الأمور التي يقع السؤال عنها تكون مختلفة:

        فمنها ما لا يقع أصلاً، ومنها ما يحتمل الوقوع، ومنها ما يكون على سبيل الاختبار المسؤول، ومنها ما يكون من الأمور التي يراد فيها التشويش على الناس.

        ولهذا تجده يسأل عن المسألة الواحدة مجموعة من الأشخاص، وقد يسجل هذه الإجابات ثم ينشرها للناس. هذا من جهة المُستفتي، ومن جهةِ المُفتي، ومن جهة المسألة المسؤول عنها.

        وبناءً على ذلك كله فإن السائل يسأل عن أمر واقعٍ فقط؛ أما أنه يسأل عن أمر يتمكن من البحث عنه هو بمفرده فهذا لا يُسأل عنه؛ إنما يسأل عن مسألةٍ واقعةٍ فقط. والمسؤول الذي هو المُفتي ينظر في السؤال فإذا كانت مسألةً واقعة أجاب عنها، وإذا كانت مسألة لم تقع لنفس السائل فإنه ينظر؛ لأن بعض المسائل قد يكون فيها شيء من الإشكال ولا يتمكن السائل من معرفتها فبإمكانه أن يساعده على ذلك.

        لكن فيه جانبٌ آخر وهو أن بعض الأشخاص الذين تصدر منهم الفتاوى يحتاجون إلى أن يتنبهوا لأنفسهم، وذلك أن بعض الأشخاص لا تكون عنده البنية التحتية العلمية الكافية لأن يجيب عن المسألة التي سئل عنها.

        وبيان ذلك: أن الله -جل وعلا- أنزل القرآن، والقرآن هو أصل التشريع، والسنة مبينة للقرآن، وما جاء من زيادةٍ في السنة عن القرآن فإن الله -سبحانه وتعالى- أمرنا بطاعة الرسول ﷺ.

        والشخص يستمد المسائل العقدية والمسائل الفقهية من القرآن والسنة؛ ولكن هذا الاستمداد يحتاج إلى معرفة وسائل لابد من توفرها عند الشخص، من هذه الوسائل:

        علم اللغة؛ سواءٌ كان علم المفردات، أو علم الجُمل. وعلم المفردات من جهة مفردات اللغة وتصريفها واشتقاقها.

        وأما من جهة التركيب فهو علم النحو وعلم البلاغة.

        فهذا وسيلة لأن القرآن نزل بلغة العرب، والرسول عربي، وكلامه عربي، ولا يمكن أن يفهم الإنسان القرآن والسنة إلا إذا كان عالماً باللغة.

        وكذلك يكون عنده علمٌ بعلوم القرآن، وعنده علمٌ بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وعلم القراءات في الآيات التي يكون فيها اختلاف قراءات ينبني عليها اختلافٌ في الحكم.

        ويكون عنده علمٌ في أصول الفقه؛ لأن أصول الفقه هو ميزان الاستنباط من القرآن ومن السنة. ويكون عنده علمٌ بعلوم الحديث؛ سواءٌ كانت هذه العلوم من جهة الرواية، أو كانت من جهة الدراية.

        وبناءً على ذلك: إذا توفرت لديه هذه العلوم يستنبط.

        أما إذا كان المُفتي ينقل فتوىً عن غيره فإنه لابد أن ينظر إلى المستوى العلمي للشخص الذي ينقل عنه، ولا ينسب هذا النقل إلى نفسه؛ ولكن ينسبه إلى من نقل عنه.

        ولا فرق في ذلك بين من ينقل الفتوى من الطبقة الأولى أو الطبقة الثانية أو الثالثة؛ يعني: الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، أو عن الأئمة الأربعة؛ المهم أنه يضيف الفتوى إلى الشخص الذي نقل عنه؛ أما كون إن الشخص يطلق نفسه وإذا سُئل عن أمرٍ أجاب عنه وليست عنده بصيرة، فقد قال الرسول ﷺ: « من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ». فلا يجوز للإنسان أن يُقدم على هذا الأمر لما فيه من الخطورة إلا وهو على بصيرةٍ. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (43) من سورة النحل.

[2] من الآية (36) من سورة الإسراء.

[3] من الآية (33) من سورة الأعراف.