توجيه كلمة للأزواج الذين يسهرون في الاستراحات مع زملائهم في القيل والقال ولعب الورق، ويتركون الأولاد دون رعاية. وبعض الأزواج يأتي ويصلي في البيت الفجر ثم ينام
- النكاح والنفقات
- 2022-03-10
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (12411) من المرسلة أ. ع، تقول: أود من الشيخ - حفظه الله - توجيه كلمة لأولئك الأزواج الذين يسهرون في الاستراحات مع زملائهم، ويقضون الساعات في القيل والقال ولعب الورق، ويتركون الأولاد والبنات في المنزل لوحدهم دون رعاية ربما يحتاجونهم هؤلاء الأولاد في أمر مهم. والطامة الكبرى بأن بعض الأزواج يأتي ويصلي في البيت الفجر ثم ينام، ما التوجيه مأجورين؟
الجواب:
مما يؤسف له أن كثيراً من الأزواج وكثيراً من الزوجات لا يعرف مسؤوليته. والرسول ﷺ قال: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة رعيتها، والعبد راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته؛ ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته »، والله -جل وعلا- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[1].
فالأب عليه مسؤولية عظيمة من جهة أهل البيت، فهو مسؤول عنهم من جهة أمور الدين، ومسؤول عنهم من جهة أمور الدنيا: أمور الدنيا يوفر لهم السكن والنفقة والكسوة. والدين يعلمهم ما ينفعهم ويرغبهم في تطبيق هذا العلم الذي علمهم إياه، ويتفقدهم ويكون مراقباً لهم دائماً.
أما الأشخاص الذين ذكروا في السؤال فلا شك أن كثيراً من الناس تكون علاقته بأصدقائه -وقد يكونون أصدقاء سوء- تكون علاقته بأصدقائه أوثق وأولى من علاقته بأبيه وبأمه وبأولاده وبزوجته، فيجعل من أوجب الله عليه المسؤولية بشأنه يجعله مهمّشاً، ويجعل من تكون صحبته مستحبة أو مكروهة أو محرمة يجعله في المقدمة؛ هذا من جانب. ومن جانب آخر أن الله -سبحانه وتعالى- وكّل بكل واحد من بني آدم ملكين من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، وملكين من صلاة العصر إلى صلاة الفجر، واحد على اليمين والثاني على اليسار، الذي على اليمين يكتب الحسنات، والذي على اليسار يكتب السيئات؛ ولهذا يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}[2]، ويقول -جل وعلا-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[3]، ويقول -جل وعلا-: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}[4]. هذا الكتاب هو الذي تكتبه الملائكة الذين وكّلهم الله -جل وعلا- على العبد، فعندما تُعرض الأعمال على العبد قد يُنكر بعضها، ولهذا يقول: -جل وعلا- {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[5].
وعندما يجحد الإنسان بعض الأمور التي يراها مسجلة عليه يشهد عليه سمعه، ويشهد عليه بصره، ويشهد عليه جلده، وتشهد عليه يده: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[6]، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)}[7].
فالواجب على جميع المكلفين أن يحاسب العبد نفسه كما قال عمر -رضي الله عنه-: « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا »؛ لأن الوزن يوم القيامة في الموازين، الوزن يوم القيامة هو وزن للأجساد، ووزن للأعمال، ووزن للصحائف التي كتب فيها الأعمال، فتوضع ما يكون من باب الحسنات في كفة، وما كان من باب السيئات يكون في كفة، إذا رجحت كفة الحسنات ذهب إلى الجنة، وإذا رجحت كفة السيئات ذهب إلى النار.
فالواجب على العبد أن يفكر في نفسه قبل أن يفاجئه الأجل، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا ولا يتمكن من ذلك؛ لأن الله -تعالى-يقول: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[8].
ووقف الرسول ﷺ على قبر ومعه بعض الصحابة فقال لهم الرسول ﷺ « ما تظنون ما يتمناه صاحب هذا القبر؟ » فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: « يتمنى أن يرد إلى الدنيا فيصلي ركعتين خفيفتين مما تستقلونهما ».
فكثير من الناس تذهب حياته سدى إن لم يتحصل على أعمال سيئة؛ لأن بعض الناس لا يعرف قيمة الوقت، فالواجب على العبد أن يفكر وأن يحرص على الأعمال الصالحة، وأن يحرص على أداء مسؤوليته التي جعلها الله في ذمته قبل أن يوقفوه بين يدي الله ويسألونه وتقوم الحجة عليه. وبالله التوفيق.