Loader
منذ سنتين

هل الدعوة إلى الله تعالى توقيفية أم اجتهادية؟


  • فتاوى
  • 2022-03-05
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11819) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: هل الدعوة إلى الله تعالى توقيفية أم اجتهادية؟ وكيف نفهم الفرق في هذا الموضوع أحسن الله إليكم؟

الجواب:

الدعوة هي من وظائف الرسل، وكل رسول أرسله الله إلى قومه دعا قومه حتى قامت عليهم الحجة، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[1] وذلك أن الله -سبحانه وتعالى- إذا جمع الناس يوم القيامة سأل الرسل: هل بلغوا أممهم؟ قالوا: نعم، فسأل الأمم: هل بلغتكم الرسل؟ فقالوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير. فيسأل الله الرسل: هل عندكم من بينة؟ فيقولون: نعم، عندنا أمة محمد ﷺ.

والمقصود بالأمة هي الأمة التي ذكرها الرسول ﷺ في حديث افتراق هذه الأمة، فذكر أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة قال: « كلها في النار إلا واحدة ». قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».

هذه الأمة أفرادها من عهد الرسول ﷺ إلى أن تقوم الساعة، فكل من صدقت عليه هذه الصفة فإنه من هذه الفرقة الناجية، فهؤلاء هم الذين يشهدون يوم القيامة على أن الرسل بلغوا أممهم، فيشهد الرسول ﷺ على شهادة أمته. ولهذا الله -سبحانه وتعالى- لا يدخل أحداً النار إلا وقد قامت عليه الحجة في الدنيا؛ كما قال -جل وعلا-: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}[2].

        وبهذا يتبين أن جميع الرسل الذين أرسلهم الله وأنزل عليهم الكتب قاموا بهذه المسؤولية خير قيام، وآخرهم محمد ﷺ.

        ومن المعلوم أن العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فالشخص الذي وفقه الله -جل وعلا- كما في قوله ﷺ: « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ».

        الشخص الذي أنعم الله عليه بهذه النعمة ووجهه هذا التوجيه، وفتح عليه من العلم ومن الفقه، وصرف عنه جميع المعوقات -لابد أن يشكر هذه النعمة. ومن شكر هذه النعمة الدعوة إلى الله -جل وعلا-؛ ولكن تكون الدعوة إلى الله على بصيرة، وتكون -أيضاً- مبنية على الحكمة وعلى الموعظة،كما قال -جل وعلا-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[3].

        فيكون الداعي قدوة في علمه، وقدوة في عمله، وقدوة في دعوته إلى الله -جل وعلا-، وقدوة في مقابلته لما يحصل من الناس؛ سواء ما يحصل منهم من الأذى من جهة القول، أو من جهة العمل. وله أسوة بجميع الرسول، فما من رسول إلا وقد أوذي حتى إن بعضهم وصل به الأذى إلى القتل.

وبناء على ذلك كله: فإن الشخص يدعو إلى الله -جل وعلا-، والدعوة إلى الله تكون فرض كفاية، وتكون فرض عين. فإذا وجد عدد كبير يكفي بعضهم للقيام بهذه المهمة فإن الدعوة تكون فرض كفاية؛ أما إذا لم يوجد في البلد إلا شخص واحد أو شخصان فإنه لابد من الدعوة، فإن الدعوة تكون في حقهما فرض عين، فإذا أخلوا بها فإن الله -سبحانه وتعالى- سيسألهم عن ذلك؛ لكن يحتاج الداعي إلى الله -جل وعلا- حسن المقابلة من الأشخاص الذين يدعوهم، ويحتاج -أيضاً- إلى التعاون؛ أي: هم يتعاونون معه وذلك بتسهيل جميع الوسائل التي يحتاج إليها من أجل تبليغ هذه الدعوة؛ لأنه إذا وُجد منه أمور إيجابية، ووجد من المجتمع أمور سلبية فحينئذ لا تكون الدعوة مؤثرة؛ أما إذا وجد منه أمور إيجابية ووجد من المجتمع أمور إيجابية فإن الدعوة تؤتي ثمارها. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (143) من سورة البقرة.

[2] من الآيات (8-10) من سورة الملك.

[3] من الآية (125) من سورة النحل.