Loader
منذ سنتين

حكم التصوير، و حكم الصور للضرورة كبطاقة الأحوال والأوراق الثبوتية


الفتوى رقم (1392) من المرسل ع. س. خ من بلاد زهران تهامة، يقول: ما حكم الصور في الإسلام؟ وما رأيكم فيمن يقول: إن الصور ليست مباحة للضرورة؛ مثل: صور حفيظة النفوس، أو صورٍ تُعلق في رخصة القيادة أو غير ذلك. إنه يوجد لدينا في المجتمع بعض الناس يُحرمون الصور في مثل هذا النوع، وقد دخلتُ مع البعض في المناقشة في هذا الموضوع، وهو كما أسلفت في الصور التي تُطلب منا في حفيظة النفوس أو ما شابه ذلك، وقلتُ: إن هذا ليس بمحرمٍ إذا كانت للضرورة؛ حيث إن الضرورة تُبيح المحظورات؛ ولكن بعض الناس لم يُصدقوا ذلك. نرجو من فضيلتكم الإجابة عن هذا الموضوع مفصلاً؟

الجواب:

        السؤال ذو شقين:

        الشق الأول: يتعلق ببيان حكم الصور، والمقصود بالصور هو ذوات الأرواح؛ كصور بني آدم، وصور الإبل والبقر والغنم وما إلى ذلك، وقد جاءت الأدلة دالة على تحريم الصور بدون تفصيلٍ بين ما له ظل وما لا ظل له، وهذه العمومات باقية على أصلها.

        ومن القواعد المقررة في باب العموم في علم الأصول، أنه يجب العمل بالعموم ما لم يوجد مخصص يخصص هذا العموم. ومن المعلوم أن الاجتهاد ليس من مخصصات العموم، فلا ينبغي للإنسان أن يجتهد وأن يصرف الدليل عن ظاهره وهو العموم إلى تأويله وهو حمله على نوع من أنواع الصور، وبقية الأنواع يقولون عنها: إنها حلال، ويبنون ذلك على البراءة الأصلية، فالرسول ﷺ مُبلّغٌ عن الله -جلّ وعلا-، وهو عربي يتكلم باللغة العربية ويُخاطب العرب، وقد وردت أدلة كثيرة كلها دالة على العموم، فإذا كان المقصود بعض الصور فلماذا لم يأتِ دليل يدل على الخصوص؟

        فكون الأدلة عامة، وكونه لم يرد دليل يدل على نوع خاصٍ منها، وجب العمل بهذا العموم، ولا يُخص هذا العموم بالاجتهاد؛ هذا هو الشق الأول. وبهذا يُعلم أن الصور -سواءً كانت مجسمة، أو كانت مما لا ظل له- فهي داخلة في هذا العموم.

        وأما الشق الثاني من السؤال: فهو في بيان ما يُستثنى من هذه الصور بالنظر للضرورة، فهناك بعض الأمور تُستثنى من هذه القاعدة؛ بناءً على أن الضرورة اقتضت ذلك؛ فمثلاً تصوير المجرمين من أجل حفظ الأمن، والصور التي تُوضع في الجوازات وفي التابعية وفي الإقامة من أجل سلامة الأمن أيضاً؛ يعني: جميع هذه الأمور تدور على الناحية الأمنية؛ فهذه تكون مُستثناة، وتكون مبنية على قاعدة المشقة تجلب التيسير. واستثناء هذه الأمور ليس على سبيل العزيمة؛ وإنما هو على سبيل الرخصة، ولا يُشكِل هذا على السامع فيقول: كيف يأتي الجواب في الشق الأول بأن بعض الصور وهو ما له ظل لا يُصح استثناؤه بالاجتهاد؟ وهنا حصل استثناء بعض الصور للضرورة.

        والجواب هو: أن هناك فرقاً بين الاستثناء الأول وبين الاستثناء الثاني، فالاستثناء الأول مبنيٌ على قاعدة العزيمة، ولهذا قيل: إنه لا يجوز إلا بدليل ولا دليل؛ وأما الثاني جاء استثناؤه بناءً على قاعدة الرخصة، ولهذا الشخص الذي يستغني عن هذه الأشياء لا يجوز له أن يُصور؛ ولكن حينما يُضطّر إلى ذلك؛ ككون شخصٍ يتعلق سفره للعلاج ولكن لا يُمكن إلا بهذه الطريقة؛ يعني: جواز السفر، وكذلك التابعية التي تُثبت شخصيته، وتصوير المجرمين والمشبوهين وما إلى ذلك؛ كلّ هذه الأمور من أجل تحقيق الأمن، فالشريعة واسعة لجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم وفي أمور دنياهم، وقد دلت الأدلة على تقرير هذه القاعدة وهي قاعدة المشقة تجلب التيسير، جاء تقريرها بأدلة كثيرة من الكتاب ومن السنة، وقد أجمع عليها أهل العلم. وبالله التوفيق.