Loader
منذ 3 سنوات

تفسير قوله تعالى:إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا...


  • التفسير
  • 2021-09-23
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1752) من المرسل س. ع. إ من مصر ويعمل في العراق -محافظة الأنبار، يقول: ما تفسير قوله تعالى:"إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[1] أريد توضيح معنى قوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ، رغم أنه قد يستطيع شخصٌ ما أن يعقد صفقةً تجارية، ولتكن بألف جنيه، وأنه سوف يكسب فيها غداً؛ أي: في اليوم التالي لعقد الصفقة مبلغ ثلاثمائة جنيه؛ وذلك لأنه قد مارس البيع والشراء في هذه الصفقة أكثر من مرة، أقصد من ذلك أنه على علمٍ ودراية بما سوف يكسبه من وراء هذه الصفقة، وأيضاً قد يُحكم على أحدٍ المجرمين بالإعدام، وهنا يتحدّد له مكان وزمان القتل، وبهذا يعلم ويدرك مكان وزمان موته؛ فأرجو أن تزيلوا عني هذا الإشكال، جزاكم الله خيرا ً.

الجواب:

يظهر من سؤال السائل، أنه يريد ما يتعلق بقوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ بالنظر لما حدّده في النقطتين اللتين جاءتا في سؤاله.

فأما بالنسبة لما يتعلق بقوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، ويقول السائل: إن الشخص قد يعقد صفقةً تجارية، ويعلم أنه سيربح فيها ويأتي ربحه على ما قدّره؛ فكيف يتفق هذا مع قوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، والجواب عن هذه النقطة:

أن قوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا هذا راجعٌ إلى ما يتعلق بتقدير الله -جلّ وعلا؛ فإن القدر له أحوال، ومن هذه الأحوال التقدير السنوي، والتقدير الشهري، والتقدير اليومي؛ ولا شك أن ما يقع في الكون موافقٌ لقضاء الله -جلّ وعلا- ولقدره، فكون الشخص يعقد صفقةً تجارية، ويتوقع أنه سيربح فيها ثم يحصل له ما توقعه، هذا لا يعني أن قوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا  أن هذا الشخص علم بذلك، ولكنّ الله -جلّ وعلا- هو الذي يسّر له الأسباب حتى تحصل على هذا الربح، وهو في الحقيقة لا يرجع إلى علمه؛ ولكنه يرجع إلى أن هذا كان مقدراً من جهة الله -جل وعلا- فيّسر له الأسباب، وصرف عنه الموانع، وإذا فرضنا هذا في شخصٍ واحدٍ وقدّر هذا التقدير، وحصل له هذا الربح، فإننا نجد كثيراً من الناس يقدرون هذا التقدير، ولا يحصل لهم ما قدروه، فلو كان ما يقدّره الإنسان لازماً من ناحية الوقوع؛ كاللزوم الذي يحصل من تقدير الله -جلّ وعلا- لكان الشخص شريكاً مع الله في توحيده، وهذا ليس بصحيح، فإذا قدّر الإنسان أمراً من الأمور، فقد يقع ما قدّره وقد لا يقع؛ أما ما قدّره الله -جل وعلا- من جهة الوقوع، فلا بدّ أن يقع.

وعلى هذا الأساس فعلم الإنسان ناقصٌ مهما كان، وعلم الله -جلّ وعلا- له الكمال المطلق فيه.

وأما قوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، ويعلق على هذا، ويقول: إن الشخص قد يُحكم عليه بالإعدام، ويحدّد له الوقت، ويحدد له المكان الذي سيقتل فيه، ويتحقق ذلك في وقته المحدد؛ هذا الاعتراض هو كالاعتراض الذي قبله؛ لأنه حينما حُدد له المكان، فهو موافقٌ لقضاء الله وقدره؛ وكذلك من ناحية الزمان؛ لكن هل ما يقدّره البشر من الأمكنة، وما يقدّرونه من الأزمنة، وما يقدّرونه من الأمكنة لأنفسهم؛ هل يلزم من ذلك تحققه؟

والجواب:

 لا يلزم من ذلك تحققه، فإذا كان موافقاً لقضاء الله وقدره، وليس هناك مانعٌ من جهة الله -جلّ وعلا- يمنع من وقوعه، فإنه يقع حسب تقدير الله -جلّ وعلا -من ناحية المكان ومن ناحية الزمان؛ فكم من شخصٍ حكم عليه بالإعدام، وحُدّد له الوقت، ووضعت له الترتيبات النهائية؛ ولكنه لم يتحقق ذلك.

ومن أمثلة ذلك ما وقع من خليفة من الخلفاء السابقين، أنه أُتي له بشخصٍ، وقد حدّد له وقت القتل ومكان القتل، ثم لمّا جيء به إليه، قال له: هل صليت الفجر مع الجماعة؟ فقال: نعم، فقال له: أنت في ذمة الله، ولا أستطيع أن أخفر ذمة الله -جلّ وعلا- اذهب، فأنت حرٌ طليق.

 فالمكان محدّد والزمان محدّد، والسّياف موجود، والنطع موضوعٌ لقتله؛ ولكنّ لمّا كان قتله لم يصادف القضاء والقدر؛ ألقى الله في قلبه أن يسأله هذا السؤال فسأله، فكان هذا السؤال، وكان الجواب مانعاً من قتله، وهذا من جهة الله -جلّ وعلا-.

والشيء الذي أحبّ أن أنبه عليه بهذه المناسبة لا بالنسبة للسائل ولا بالنسبة لأمثاله:

أن عليهم أن يسّلموا الأمر لله -جلّ وعلا-، وأن يحققوا أركان الإيمان، وأركان الإسلام؛ ومن أركان الإيمان الإيمان بالقضاء والقدر؛ وكذلك عليهم أن يتحققوا أن الله -جلّ وعلا- هو المتصرف في خلقه، وهو المتصرف -أيضاً- في هذا الكون؛ كما في قوله تعالى:"أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ"[2] فما على العبد إلا أن يسلم لله -جلّ وعلا-، كما قال تعالى:"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"[3].

        فقال تعالى: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا أتى بالتأكيد في قوله تعالى: تَسْلِيمًا  من أجل أن يكون تسليمهم هذا تسليماً كاملاً لا شبهة فيه، وليس على العبد أن يعترض على الله -جلّ وعلا- لا في مقام توحيد الألوهية، ولا في مقام توحيد الربوبية، ولا توحيد الأسماء والصفات؛ بل عليه التسليم، وكذلك ليس عليه أن يعترض عليه في شرعه؛ كاعتراض الذين يقولون: إن القِصاص لا يؤدّي الغرض المطلوب، فنجد القصاص يُطبق؛ ولكننا نجد كثيراً من الناس يتعدّى بعضهم على بعض، وما إلى ذلك؛ فعلى العبد أن يسلم لله -جلّ وعلا-، ولا يلتفت إلى الشُّبَه التي يثيرها أعداء الإسلام. وبالله التوفيق.



[1] الآية (34) من سورة لقمان.

[2] من الآية (54) من سورة الأعراف.

[3] من الآية (65) من سورة النساء.