Loader
منذ سنتين

قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، ما سببها؟ وهل هي للنبي ﷺ؟


  • التفسير
  • 2022-02-03
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (10618) من المرسل السابق، يقول: قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[1]، ما سببها؟ وهل هي عامة لكل أحد أو للنبي ﷺ؟

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق وخلق لهم ما في الأرض جميعاً وذلك من أجل ما يتعلق براحة البدن: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[2]، ويسّر لهم المطاعم والمشارب والملابس والمساكن وإن كانوا يتفاوتون في ذلك كما قال -جلّ وعلا-: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[3]؛ فهذا التفاوت في أمور الدنيا له حكمة عند الله -جلَّ وعلا- بيّنها في هذه الآية وهي قوله: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[4]، وهذا نوع من أنواع الحِكَم المترتبة على ذلك.

        ومنها: ابتلاء الفقير بالفقر، وابتلاء الغني بالغنى إلى غير ذلك كما قال -تعالى-: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[5] فحينئذ الإنسان يكون أحسن عملاً في أمور دينه، وأحسن عملاً في أمور دنياه؛ لكن بما أن الله -سبحانه وتعالى- خلق ما في الأرض من أجل راحة بدن ابن آدم وتكريماً له؛ كما قال -جلَّ وعلا- {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[6]، وذكر أمثلة من أمثال التكريم: {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[7]؛ كذلك الله -جلَّ وعلا- أرسل الرسل وأنزل الكتب، والرسل بلّغوا ما أمرهم الله بتبليغه لأممهم. وكل رسول يرسله الله إلى قومه خاصة؛ أمّا الرسول ﷺ، فإن الله أرسله رسالة عامة؛ كما قال ﷺ: « بُعثت إلى الأحمر والأسود وكل نبيّ يُبعث إلى قومه خاصة »، وقبل ذلك يقول الله -جلَّ وعلا-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[8] وكما أن رسالته للإنس فهي -أيضاً- للجن.

        هؤلاء الرسل وهذه الكتب التي أنزلها الله من السماء هي هداية الدلالة والإرشاد؛ بمعنى: إن الله -سبحانه وتعالى- يُبلِغ خلقه بما كلفهم به كلٌّ فيما يخصه؛ سواء كان يقوم بعمل قاصر عليه، أو يقوم بعمل قاصر عليه من وجه وعمل متعدٍّ من وجه آخر، فهذه الكتب وهؤلاء الرسل هم قاموا بهداية الدلالة والإرشاد، ولهذا العلماء ورثة الأنبياء؛ فإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً؛ وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر. فالعلماء الذين قاموا بتبليغ العلم على الوجه الذي يُرضي الله -جلَّ وعلا- هم يقومون بهداية الدلالة والإرشاد. وهذه الآية وهي قوله -جلَّ وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[9]، هذا بالنظر إلى هداية التوفيق والإلهام وهو القسم الثاني من قسمَي الهداية، وجاء في آية أخرى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[10]، فالرسول ﷺ قام بهداية الدلالة والإرشاد؛ ولهذا بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة قام بجميع هذه الأمور على الوجه الذي يرضي الله -جلَّ وعلا-.

        أما هداية التوفيق والإلهام فهذه بيد الله -جلَّ وعلا- وهذه الآية المسؤول عنها هي من هداية التوفيق والإلهام، وذلك أن الرسول ﷺ كان حريصاً على هداية عمه أبي طالب الذي احتضنه وجعله الله -سبحانه وتعالى- حصناً للرسول ﷺ عن أذى قريش، فلّما مرض حرص الرسول ﷺ على هدايته، فقال: « يا عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله »، وهذا الطلب الذي صدر من الرسول ﷺ انبعث من محبته لهداية عمه؛ هو لا يحبه لكفره ولكنه يحب هدايته، ولهذا الله تعالى قال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[11]؛ يعني: من أحببت هدايته وليس أحببته لأنه كافر، ولما حصل هذا من الرسول ﷺ ونزلت الآية قال الرسول ﷺ: « لأستغفرن لك ما لم أنه عنك » فقال الله -جلَّ وعلا-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[12]. والذي تبيّن للرسول ﷺ هو قول عمه في آخر لحظة من لحظات حياته: (هو يموت على ملة عبد المطلب)، وملّة عبد المطلب هي الكفر نعوذ بالله من سوء الخاتمة. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (56) من سورة القصص.

[2] من الآية (29) من سورة البقرة.

[3] من الآية (32) من سورة الزخرف.

[4] من الآية (32) من سورة الزخرف.

[5] من الآية (2) من سورة الملك.

[6] من الآية (70) من سورة الإسراء.

[7] من الآية (70) من سورة الإسراء.

[8] من الآية (28) من سورة سبأ.

[9] من الآية (56) من سورة القصص.

[10] من الآية (52) من سورة الشورى.

[11] من الآية (56) من سورة القصص.

[12] الآية (113) من سورة التوبة.