حكم دفع الإنسان الرشوة للوصول إلى حقه
- فتاوى
- 2021-06-22
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (448) من المرسل ع.ح.م من تبوك، يقول: هل يجوز لي دفع رشوة للحصول على حق من حقوقي؛ حيث إنني من سكان الضفة الغربية المحتلة، وتخرجت من معهد فيها، وكنت الأول على مجموعتي، وتوظف كثير ممن بعدي؛ لأنهم دفعوا رشوة، ولم أجد عملاً هناك؛ لأني أرفض الرشوة خوفاً من الله. والآن أعمل في المملكة، ووالدتي تعيش وحيدة هناك، هل يجوز لي دفع رشوة لأجد عملاً هناك لأعيش بالقرب من والدتي؟
الجواب:
أولاً: إن الرشوة حرام، لا من جهة دفعها، ولا من جهة أخذها؛ وذلك لدلالة الأدلة الواردة في ذلك فمن ذلك قوله تعالى: "وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"[1]، ودفعها إثم وعدوان، فالدافع متعاون مع الآخذ على حصول الآخذ على الرشوة.
وجاء في السنة لعن الذي يدفع الرشوة، ولعن الذي يأخذها، ولعن الوسيط الذي يأخذها من الدافع ويذهب بها إلى الآخذ[2].
ثانياً: إن السائل لا يجوز له أن يدفع رشوة من أجل الحصول على وظيفة؛ لأنه إذا دفع الرشوة للحصول على الوظيفة، فقد يعاقب في نفسه، أو في ماله، أو في عمله؛ بسبب أنه توصل إلى هذا العمل أو إلى الحصول على هذا العمل بطريق غير مشروع.
ثالثاً: على السائل أن يتقي الله في نفسه، وأن يصدق مع الله في تقواه. وقد وعد الله من يتقيه بالنتائج الحسنة، فقال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"[3]، وقال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"[4]، وثبت عن الرسول ﷺ أنه قال: « من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه ».
فهذا السائل إذا صدق مع ربه في ترك الحصول على الوظيفة عن طريق دفع الرشوة، قد ييسّر الله له عملاً يوفق فيه، ويكون له فيه رزق طيب.
رابعاً: إن مسألة دفع الرشوة تساهل فيها كثير من الناس؛ لا من جهة أخذها، ولا من جهة دفعها؛ حتى أصبحت عند بعض الناس من الأمور العادية، وهذا يدل على انحراف في ضمير الشخص الدافع، وفي ضمير الشخص الآخذ، مع ما يترتب على أخذ هذه الرشوة من انحراف في الأمر الذي دفعت الرشوة من أجله.
فعلى سبيل المثال: تدفع الرشوة من أجل أن يحصل الإنسان على وظيفة لا يستحقها، أو أن يرفع إلى وظيفة مع وجود من هو أحق منه من ناحية الخدمة، ومن ناحية القدرة على العمل. وقد تكون مفسدة للعمل من جهة أن بعض المهندسين المؤتمنين على الإشراف على تنفيذ المقاولات يأتي آخذ المقاولة ويدفع رشوة للمهندس الذي يشرف عليه من أجل أن يوِّقع له أن المقاول نفّذ المقاولة طبق الشروط المتفق عليها بينه وبين الجهة التي أرست عليه المقاولة، والواقع أن المقاول لم ينفذ هذه الشروط إما من جهة الكم؛ بمعنى: إنه ترك جزءاً منها، أو من جهة الكيف؛ بمعنى: إنه أتى بجميعها؛ ولكن كلّ شرط منها أو بعض الشروط يوجد فيه خلل، فأصل الشرط موجود من جهة التنفيذ؛ ولكن فيه شيء من النقص.
فإذا كانت المقاولة على أمر له أهمية كبيرة فيما يتعلق بالمصالح العامة، أو فيما يتعلق بمصلحة تاجر من التجار؛ فلا شك أنه ينشأ ضرر عظيم على المصلحة العامة من جهة، وعلى مصلحة التاجر من جهة أخرى؛ هذا يكون في المباني، وفي الطرق، وفي غير ذلك من جهة المقاولات.
وكما أن هذا يقع في الوظائف وفي المقاولات، فإنه يقع -أيضاً- في جهة ثالثة بالنسبة لاستلام بعض الأشياء التي تشتريها بعض الجهات، فيتفق مع شخص على إعاشة لجهة ما، والشروط الموضوعة لهذه الإعاشة هي شروط كافية لتحقيق مصلحة كلّ فرد من الأفراد الذين يستفيدون من هذه الإعاشة؛ ولكن يحصل تقصير من الشخص الذي أخذ هذه الإعاشة، فيأتي بغذاء رديء من جهة أصله، أو من جهة كيفيته؛ أي: يكون متعفناً، وبعد ذلك يوقّع له عند الاستلام بأنه أتى بغذاء مطابق للشروط المتفق عليها، فالضحية هو بيت المال الذي يدفع هذه النقود؛ وكذلك الشخص الذي يستفيد من هذه الإعاشة؛ كالمرضى في المستشفيات مثلاً، أو المنسوبين إلى جهة ما من الجهات الأخرى.
كذلك من جهة رابعة قد تدفع الرشوة من ناحية أنه طلب من شخص أن يورد بضائع، ورست عليه المناقصة لتوريد البضائع، وعند التسجيل يدفع رشوة باهرة للشخص الذي فوض إليه أن يوقّع عقد الاستلام، وفي هذه الحال قد تكون البضاعة التي جاءت غير المطلوبة أصلاً؛ ولكن يوقّع أنها هي المطلوبة، وقد تكون البضاعة أقل، فيوقع بأنها شاملة، وقد تختلف عن المطلوبة من ناحية الكيف؛ بمعنى: إنها أقل من المطلوبة من ناحية المواصفات؛ ولكن يوقّع أنها المطلوبة من ناحية الكيف، قد يتأخر تسليمها ولكن يكتب بأنها سلّمت في الوقت المحدد.
إلى غير ذلك من الأمور التي ينشأ عنها خلل في الاتفاق؛ ولكن استخدام الرشوة هو الذي يذلل هذه الأمور و يهيّىء الجو المناسب لحصول من رست عليه المناقصة -مثلاً- في أن يأخذ حقه كاملاً ويدفع شيئاً ناقصاً؛ ولكن على ذمة من؟ على ذمة من يدفع النقود من جهة، ومن يستفيد من هذه المناقصة من جهة أخرى.
أما الذي دفع الرشوة، والذي أخذ الرشوة، فنصيبهما اللعنة من الله
-جلّ وعلا-، والعذاب الأليم.
وفي الحقيقة هذا مرض من الأمراض الاجتماعية، ويجب القضاء عليه بكلّ وسيلة ممكنة تحقق الغرض المنشود، وسواء حقق ذلك من ناحية الغاية، أو من ناحية الوسيلة.
ومن المعلوم أن الشريعة جاءت بقواعد، ومنها مما يتعلق بهذا الموضوع أن الوسائل لها حكم الغايات؛ وكذلك سد الذرائع، وكذلك قاعدة الأمور بمقاصدها، وهذا جواب مختصر على قدر وقت البرنامج.
[2] ينظر: ما أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب في كراهية الرشوة(3/300)، رقم(3580)، والترمذي في سننه، أبواب الأحكام، باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم(3/614)، رقم(1336)، وابن ماجه في سننه،كتاب الأحكام، باب التغليظ في الحيف والرشوة(2/775)، رقم(2313).