Loader
منذ سنتين

ما رأيكم في تعدد الجماعات من جماعاتٍ إسلامية، وإخوان، ودعوة، وتبليغ، وجهاد، وتكفير؟ وأي جماعةٍ نتبعها؟ مع أن كلاً منها يدعو بنصوصٍ تجعلك تتبعها؟


  • فتاوى
  • 2021-12-11
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (3545) من المرسل السابق، يقول: ما رأيكم في تعدد الجماعات من جماعاتٍ إسلامية، وإخوان، ودعوة، وتبليغ، وجهاد، وتكفير؟ وأي جماعةٍ نتبعها؟ مع أن كلاً منها يدعو بنصوصٍ تجعلك تتبعها؟

الجواب:

 الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- قال: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».

فبيّن ﷺ الفرقة الناجية، وبيّن الطريق التي تسلكه هذه الفرقة الناجية، وإذا نظرنا إلى ما كان عليه الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-، وما كان عليه أصحابه وأتباعهم، كما في قوله ﷺ: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ». قال الراوي: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. فهذه هي القرون المفضلة.

فإذا نظرنا إلى هذه القرون وجدنا أن الهدي الذي كانوا عليه هو هدي القرآن، وهدي سنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-، ولهذا يقول -صلوات الله وسلامه عليه-: « تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله، وسنتي ».

وإذا نظرنا إلى القرآن والسنة وجدنا أنه يستنبط منهما ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم، وفي أمور دنياهم، سواءٌ كان في باب الفقه الأكبر، وهو علم العقائد، أو ما كان من باب الفقه الأصغر، وهو علم أحكام المكلفين. ولكن الاستنباط من القرآن ومن السنة يحتاج إلى علماء تتوفر فيهم شروط الاستنباط، حتى يكون استنباطهم على وجهٍ صحيح، وليس معنى هذا أن يصل المستنبط إلى درجة العصمة، ولكن يكون مؤهلاً لمعرفة فقه القرآن والسنة.

وإذا نظرنا إلى من طبق هذا، وجدنا أن كثيراً من العلماء المجتهدين في القرون الماضية، نبغوا في هذا الباب؛ كالإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وغير هؤلاء كما هو موجودٌ فقههم، ومدوّنٌ في مدونات العلم.

وإذا نظرنا إلى الشخص الذي يكون مؤهلاً للاستنباط من القرآن والسنة، وجدنا أنه يحتاج إلى مجموعة من العلوم يتعلّمها؛ حتى يكون مؤهلاً من القرآن والسنة، فهو في حاجةٍ إلى علم اللغة العربية بجميع فروعها، من علم أصل وضع اللغة؛ وكذلك علم التصريف، وعلم الاشتقاق، وفقه اللغة، وعلم الوضع، وعلم البلاغة، وعلم النحو. وكذلك يحتاج إلى معرفة علوم القرآن، وإلى معرفة علوم السنة من علم الأسانيد، وعلم الرجال، وعلم مصطلح الحديث.

وكذلك يحتاج إلى دراسة أصول الفقه. فهذه العلوم تساعده على الاستنباط من القرآن والسنة من جهة، وعلى الحكم على الحديث من جهةُ أخرى.

فإذا كان الشخص مؤهلاً لهذه الدرجة، فحينئذٍ يكون استنباطه صحيحاً، وقد يخطئ في استنباطه؛ ولكنه يجتهد ويكون معذوراً إذا أخطأ في اجتهاده، ولهذا النبي -صلوات الله وسلامه عليه- بيّن أن القاضي إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجرٌ واحد، وخطؤه معفٌو عنه.

وقد وقع هذا في سورة الأنبياء في قوله تعالى: "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا"[1]؛ لأن داود -عليه السلام- لما حكم في قضية الحرث لم يصادف حكمه مراد الله -جلّ وعلا-، فحكم سليمان وصادف حكمه مراد الله -جلّ وعلا-. فبيّن الله -جلّ وعلا- إصابة سليمان بقوله: "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا" ولم يعتب على داود؛ لأنه مجتهد، وليس من شروط الاجتهاد أن يصيب المجتهد واقع الأمر.

وإذا نظرنا إلى كثيرٍ من الجماعات الإسلامية وجدنا كثيراً منهم غير مؤهلين تأهيلاً علمياً يستطيعون به فهم القرآن والسنة، ولهذا نجد كثيراً منهم يضرب بعضهم بعضاً من ناحية التكفير، ومن جهة أن بعضهم يعيب على بعضٍ؛ فتجد المؤلفات الكثيرة التي يؤلفها بعضهم، ويرد بها على البعض الآخر. وكذلك بالنظر إلى بعض الأشخاص الذين ينتسبون إلى هذه الجماعات؛ لأن الجماعة قد يتبناها شخصٌ يكون له غرضٌ سياسيٌ، أو غرضٌ عقدي. فالذين يدعون إلى المذاهب المنحرفة على اختلاف أنواعهم، هؤلاء يدعون إلى مذهبٍ عقديٍ منحرف. والذين يخدمون أشخاصاً معينين هؤلاء يكون اتجاههم اتجاهاً سياسياً. والذين يريدون كسب المال من وراء تأسيس هذه الجماعة، ويكون له منها دخلٌ عظيم، من باب الرسوم، أو من باب قبول الهدايا من الأتباع.

 فقد سألني شخصٌ يقول: في بلدنا شيخ طريقةٍ ارتبطنا به، وعندما يريد الشخص الحج لا يأذن له إلا إذا أعطاه خُمس ماله. ولا شك أن هذا في الحقيقة استعباد، فلا ينبغي لطالب العلم أن يغتر بهذه الجماعات؛ بل يتجنبها ويتمسك بالفرقة التي بيّنها الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ». 

فأنا أوصي جميع الأشخاص الذين عندهم رغبة في معرفة هدي الرسول ﷺ بأن يتعلّموا أولاً، ولهذا يقول البخاري في صحيحه يقول باب: « تفقهوا قبل أن تسودوا »[2]. وقد تفقه أصحاب رسول الله ﷺ.

ومن المؤسف أن كثيراً من الأشخاص الذين يؤسسون الطرق، والذين يتّبعون هؤلاء، يقدمون السيادة على الفقه، بمعنى: إنه يكون سيداً، ويريد أن يكون متبوعاً، وليس عنده بصيرةٌ فيما يطبقه على نفسه في عبادته لربه؛ فضلاً عن أن يكون قدوةً لغيره، ويأخذ الناس من قوله. وبالله التوفيق.

المذيع: ما رأيكم في الأدلة التي ذكرها أخونا في أن كلّ جماعة تورد أدلة وتجعلك تتبع تلك الأدلة؟

الشيخ: أنا نبّهت في بداية الجواب على أن كثيراً من هؤلاء ليست عندهم معرفةٌ في قواعد العلم التي ينطلق منها العالم من جهة قبول الدليل للاحتجاج به من جهة الثبوت، وكذلك عين الدليل من ناحية الاحتجاج، ومن جهة فقه الدليل؛ لأن الدليل يُنظر إليه من جهة ثبوته، ومن جهة عينه، ومن جهة دلالته، ومن جهة بقائه. فلا بدّ أن يكون الدليل ثابتاً، وإلا لم يكن حجةً. وهل هذا دليل من الأدلة المعتبرة عند أهل العلم، أو ليس من الأدلة المعتبرة من ناحية عينه، فإن الذين تطرّقوا لذكر الأدلة ذكروا جملةً من الأدلة المختلف فيها؛ لأن الأدلة قسمان: قسمٌ متفقٌ عليه، وقسمٌ مختلفٌ فيه. والمختلف فيه: فيه أدلةٌ ظاهرٌ فيها رجحان اعتبارها أدلة. ونوعٌ آخر ظاهرٌ فيه رد هذه الأدلة.

فلا بدّ من معرفة عين الدليل وأنه حجة. ومن جهة دلالة الدليل: فالدليل تعرض له عوارض من عمومٍ وخصوصٍ، وإطلاق وتقييدٍ، وإجمال واشتراكٍ، وظاهرٍ وتأويل.

فإذا كان الشخص غير بصيرٍ في عوارض الأدلة، فقد يستدل بالدليل على غير وجهه؛ وكذلك قد يفهم المستدل عليه هذا الدليل على وجهٍ غير سليم، فيحصل تعارضٌ بين المستدل بالدليل، والمُستَدل عليه بالدليل، وكلٌّ منهما يكون مخطئاً في فهمه، أو يكون خاطئاً.

        أما من ناحية بقاء الدليل: فإنه ينظر إليه من ناحية أن هذا الدليل هل هو سالمٌ من النسخ أم أنه منسوخ؟ وإذا تم النظر في الدليل على هذه الوجوه الأربعة، حينئذٍ يتبيّن أن هذا الدليل صالحٌ للاستدلال، أو أنه ليس بصالحٍ للاستدلال.

        فمن كان يدعو وهو غير بصيرٍ بالأدلة، فلا حاجة إلى استماع كلامه؛ لأنه لا يتكلم على بصيرة.

        وكذلك من يريد أن يفهم هذا الكلام، إذا كان فهمه للكلام لا يكون راجعاً إلى معرفة القواعد العلمية، فقبوله أو عدم قبوله لا يكون معتبراً بالنظر إلى أنه ليس على بصيرةٍ من الأمر. صحيحٌ أنه إذا كان يأخذ القول عن مجتهد فهذا يقلّده، لكن لا يأخذ الكلام عن غير مجتهدٍ يتخبط في دين الله، ويتخبط في الأدلة من غير بصيرة، فليس معنى هذا أن كلّ مستدلٍ بدليلٍ يكون حجةً له؛ لأن الحق عند الله في واقع الأمر واحد؛ ولكن الأسباب المؤدية إلى معرفة هذا الحق هي التي تكون محل اجتهادٍ وخلافٍ في بعض المسائل. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (79) من سورة الأنبياء.

[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة (1/25).