حكم التقاطع بين الجيران بسبب مشاكل
- فتاوى
- 2021-09-28
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1881) من المرسل السابق، يقول: هل الإنسان الذي يقاطع جيرانه من أجل أرضٍ بينهم أو مشاكل لا صلة لها بالدين، هل يجوز له ذلك؟ وإن كان لا، فالمرجو توضيح الذي تجب فيه المقاطعة وإلى أي مدى تستمر هذه المقاطعة؟
الجواب:
المقاطعة التي تحصل بين شخصٍ وآخر قد يكون لها سببٌ وهمي، وقد يكون لها سببٌ حقيقيٌ ديني، وقد يكون لها سببٌ حقيقيٌ مادي دنيوي، وقد يكون لها سببٌ معنويٌ دنيوي.
وعلى هذا الأساس لا بد من معرفة السبب أولا، فإذا عرف السبب وأمكن علاجه وتصفية الجو المتكدر بين الشخصين المتقاطعين، وتعود العلاقة فيما بينهما صافية.
فإن كان وهمياً يتبين أنه ليس هناك سببٌ يوجب القطيعة، وإذا كان دينياً، فعلى الشخص الذي يوجد عنده هذا السبب، أن يرجع وأن يمتثل أمر الله جل وعلا، وأن يترك ما نهاه الله جل وعلا عنه، وبهذه الطريقة يكون قد أزال السبب الموجب للقطيعة.
وإذا كان السبب مادياً دنيوياً، فبالإمكان تحديده والتفاهم على أساسه، وأن الظالم يدفع الحق للمظلوم وسواء كان ذلك عن طريق التفاهم فيما بينهم، أو فيما بينهما، أو كان عن طريق شخص فأكثر يدخلون للصلح بينهما، أو كان من جهة القضاء.
وإذا كان السبب يرجع إلى ناحيةٍ معنوية، كأن يتكلم أحدهما على الآخر كلاماً يكون مؤثراً، فعلى الشخص الذي يحصل منه هذا الشيء على أخيه، أن يذهب إليه وأن يستبيحه من هذا الأمر، وأن يطلب منه العفو، وعلى الذي ذُهب إليه أن يغفر زلة أخيه مادام جاء طالباً للعفو، ولا شك أن هذا مقامٌ عظيم بينه الله جل وعلا في قوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)"[1]،"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)"[2]، ثم قال :"وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"[3].
فلا شك أن هذا موقفٌ عظيم يحتاج إلى حكمة وحلم وتعقل، وإلى الأخذ بجانب الصفح والمغفرة ؛ لأن حصول التصلب من كلا الطرفين هذا تكون له آثاره السيئة على الشخصين، وعلى أسرتيهما من النساء ومن الأولاد، و كذلك من جهة الآباء والأجداد، وما إلى ذلك، وبهذه الطريقة يكون الشخص قد ساعد من جانبه على إزالة هذه القطيعة، وقد سئل الإمام أحمد، سأله سائلٌ قال: يا أبا عبدالله كيف أسلم من الناس؟ قال: "أحسن إليهم ولا تطلب منهم أن يحسنوا إليك، وتحمل إساءتهم ولا تسئ إليهم".
فإذا أخذ الإنسان بهذا يكون قد سلم في نفسه، وسلم الناس منه على حسب الاستطاعة، ومن كانت عليه حقوق مالية لأشخاصٍ قد ذهبوا، فبإمكانه أن يعيدها إلى ورثتهم، لكن إن كانوا موجودين يعيدها إليهم، وإذا كان قد وقع في شيء من أعراضهم ، وسبب قطيعة فيما بينه وبينهم، فإنه يدعو لهم ويتصدق عنهم إن كانوا غير موجودين، أما إذا كانوا موجودين فكما سبق البيان عنه، ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيامٍ إذا كان لأغراض دنيوية.
أما القطيعة التي تكون مشروعةً، فهي القطيعة في ذات الله جل وعلا، يعني أنك تهجر الإنسان لوجه الله جل وعلا كما قال تعالى:"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ"[4]، فلا يجوز للإنسان أن يقدم حق المخلوق على حق الله جل وعلا، بل عليه أن يقدم حق الله جل وعلا، وإذا قدم حق الله جل وعلا على حق المخلوق فقد اتقى الله جل وعلا، والله جل وعلا يقول:"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا"[5] ويقول:"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"[6]، وبالله التوفيق.