Loader
منذ سنتين

كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان الذي لا يذكر الله؟ وهل كل إنسان له قرين سواءٌ كان ذاكراً لله أو لا يذكر الله؟


  • فتاوى
  • 2022-03-02
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11650) من المرسل أ. أ من البحرين، يقول: في قول الله -تبارك وتعالى- في سورة الزخرف: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[1]، كيف يكون الشيطان قريناً للإنسان الذي لا يذكر الله؟ وهل كل إنسان له قرين سواءٌ كان ذاكراً لله أو لا يذكر الله؟ وهل القرناء من الشياطين ممكن يكونون من المسلمين أيضاً؟

الجواب:

يقول الرسول ﷺ: « ما منكم من أحدٍ إلا ومعه شيطان، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، إلا أن الله أعانني عليه فلا يأمرني ألا بخير »، فكل واحد من بني آدم معه شيطان، وهذا الشيطان يشتغل مع ابن آدم في أمرين:

         أما الأمر الأول فهو: أنه يصرفه عن الخير من جهة أصله، أو من جهة كيفيته، أو من جهة كميته، أو من جهة مكانه، أو من جهة زمانه.

        فمثلاً: إنسان لا يصلي أصلاً، هذا من الشيطان وقد صرفه عن الأصل. أو يصلي ولكنه يخفف صلاته تخفيفاً لا يجعلها صحيحةً فهذا من جهة الكيف. وقد يجعله يصلي بعض الأوقات ولا يصلي بعض الأوقات فهذا من جهة الكم. ومن جهة الزمان بعض الناس إذا جاء من الدوام وتغدى قبل صلاة العصر نام ووقّت الساعة على ما بعد العشاء، لا يصلي العصر ولا يصلي المغرب ولا يصلي العشاء، إذا قام يمكن أنه يصلي هذه الصلوات: هو صلى العصر في غير وقتها، وصلى المغرب في غير وقتها، وصلى العشاء في وقتها؛ هذا إذا صلى!

        وفيه أيضاً من إذا نام يؤقت الساعة قبل النوم -في الليل- يؤقتها على وقت ذهابه إلى العمل، فهذا صرفه الشيطان عن أدائه صلاة الفجر مع الجماعة في وقتها، فجعله إذا قام الساعة السابعة إن صلى؛ هذا من جهة الوقت. ومن جهة المكان تجد بعض الناس يقول: أنا لست في حاجة أن أصلي مع الجماعة. أنا أصلي في البيت ويكفيني درجة؛ لأن صلاة الإنسان مع الجماعة تفضل على صلاته في بيته بسبعٍ وعشرين درجة؛ هذا بالنظر للفرائض. أما النوافل فصلاة الرجل النوافل في بيته أفضل من صلاته في المسجد؛ هذا بالنظر إلى عمل الشيطان مع الإنسان في باب الأمر.

وأما الأمر الثاني: وأما عمل الشيطان مع الإنسان في باب النهي فإنه يحمله على ارتكاب المحرمات بدءاً من الشرك الأكبر، الشرك الأصغر، النفاق الأكبر بجميع أنواعه، الكفر الأكبر بجميع أنواعه، أو النفاق الأصغر، أو الكفر الأصغر، أو يجعله يفعل صغائر الذنوب ولكنه يصر عليها.

فالمقصود: أن عمل الشيطان مع ابن آدم هو عبارة عن إظلال الإنسان عن طريق الحق، ولهذا يقول هو لربه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}[2]. وفي موضعٍ آخر يحكي الله عنه: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[3]؛ يعني: يجعلهم فوق الحنك الأسفل وتحت الحنك الأعلى، ويلوكهم كما يلوك الإنسان الطعام؛ بمعنى: إنه يتصرف فيهم. فقوله -جل وعلا-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)}[4].

فكلما أوغل الإنسان في طاعة الشيطان قوي سلطان الشيطان عليه. وكلما تساهل في واجبٍ من الواجبات، أو تساهل في ارتكاب محرمٍ من المحرمات؛ فإن الشيطان يقوى سلطانه عليه. وكلما تمادى في ذلك أعرض الله عنه، كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}[5]؛ هذا من جهة الإنعام يُنعم الله عليهم لكن نسوا الله. وفي الموضع الآخر: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[6]، يعني أن الله -سبحانه وتعالى- تركهم وترك الشيطان يتصرف فيهم كيف شاء؛ لأنهم صاروا من أوليائه، والله -جل وعلا- يقول: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}[7].

وإذا جمع الله أهل النار في النار خطب فيهم الشيطان؛ كما في قوله -تعالى-: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[8].

وبناءً على ذلك كله: فعلى الإنسان ألاّ يكون من أولياء الشيطان؛ لأنه بمجرد أي معصية يكون ولياً للشيطان بهذه المعصية، وعليه أن يكون مطيعاً لله -جل وعلا- يفعل ما أمره به وينتهي عما نهاه الله عنه. وبالله التوفيق.



[1] الآية (36) من سورة الزخرف.

[2] الآيتان (82-83) من سورة ص.

[3] من الآية (62) من سورة الإسراء.

[4] الآيتان (36-37) من سورة الزخرف.

[5] من الآية (44) من سورة الأنعام.

[6] من الآية (67) من سورة التوبة.

[7] من الآية (257) من سورة البقرة.

[8] الآية (22) من سورة إبراهيم.