Loader
منذ سنتين

ظاهرة الكلام بأمور الدِّين وهم لا يحسنون الحديث عنها؛ وخصوصاً في قضايا الأمة المصيرية، نرجو التفضل بالحديث عن خطورة الكلام على الله بغير علم


  • فتاوى
  • 2022-01-28
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (9620) من المرسل م. ف. ف من حوطة سدير، يقول: ظهرت في هذه الآونة ظاهرة عجيبة وهي أن يتكلم كثير من الناس بأمور الدِّين وهم لا يحسنون الحديث عنها ويتصدرون للفتوى؛ وخصوصاً في قضايا الأمة المصيرية، ويزداد الأمر سوءاً حينما يكون كلٌّ يتكلم برأيه. نرجو التفضل بالحديث عن خطورة الكلام على الله بغير علم.

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- يقول لنبيه ﷺ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[1]، ويقول -جلّ وعلا-: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)}[2]، ويقول -جلّ وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} إلى أن قال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[3].

        فالشخص الذي يريد أن يرشد الناس لا بدّ أن تكون عنده بنية تحتية شرعية يستمد منها الكلام الذي يريد أن يبينه للناس، فإذا كان هذا الشخص يريد أن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر فيكون عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه، حكيماً فيما يأمر به، حكيماً فيما ينهى عنه.

        وإذا كان من الدعاة الذين يتكلمون على الناس ويتطرقون إلى التحريم في كلماتهم فلا بدّ أن يتأكد الشخص قبل أن يتكلم من الكلام الذي يريد أن يقوله هل موافق للشرع أم لا؛ أما ما يفعله بعض الأشخاص من الجرأة على التحليل والتحريم وليسوا في مستوى المسؤولية.

        ومما يحسن التنبيه عليه بهذه المناسبة: أن الله -سبحانه وتعالى- أنزل القرآن وجعل بعضه يبين بعضاً، وقال الله -جلّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ}[4] فأمر الله بطاعته، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}[5]، فأمر بالأخذ بسنة الرسول ﷺ، وسنة الرسول مبينة للقرآن؛ كما قال -جلّ وعلا-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[6].

        فالسنة بعضها يبيّن بعضاً، وهي -أيضاً- مبينة للقرآن. القرآن أراد الله منه معنى، والسنة أراد الرسول ﷺ منها معنىً، والسنة هي الوحي الثاني، إلا أنها ليست بمنزلة القرآن؛ لأنها وحيٌ في المعنى، والقرآن لفظٌ في وحيه وفي معناه. هذه المعاني التي دل عليها القرآن والسنة لها وسائل من أجل فهمها، والمفهوم منها هو باب العقائد عموماً، وباب الفقه جملةً وتفصيلاً بحيث إنه لا يخرج شيء مما يحتاج إليه الناس عن باب العقائد من جهة، وباب الفقه من جهةٍ أخرى.

        هذه الوسائل لا بدّ أن يتعلمها شخص، فمن هذه الوسائل علم اللغة: وضعاً، واستعمالاً، وفقهاً، وتصريفاً، واشتقاقاً، وبلاغةً، وإعراباً. ولا بدّ من معرفة أصول الفقه، فإن أصول الفقه هو ميزان فهم القرآن وفهم السنة. ولا بدّ من معرفة علوم القرآن، ومعرفة أسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ.

        ولا بدّ -أيضاً- من معرفة علوم الحديث، فإن علوم الحديث يستطيع الشخص أن يتبين منها ما يقبل من الأحاديث وما يريد؛ وكذلك يكون عالماً بأسباب ورود الحديث، ويكون عالماً بالناسخ والمنسوخ من الحديث، فإذا توفرت لديه هذه الوسائل استطاع بعد ذلك أن يستنبط من القرآن ما يتعلق بالعقائد؛ وكذلك بالفقه، وعليه أنه يرجع -أيضاً- إلى تفسير الصحابة وفقه الصحابة والتابعين، وأتباع التابعين؛ يعني: يرجع إلى ما دوّنه أهل العلم في باب العقائد من جهة، وفي باب الفقه من جهةٍ أخرى. وإذا توفر لديه ذلك فبإمكانه أن يتكلم مع الناس ويرشدهم.

        أما شخص تكون عنده جرأة، ويكون عنده طلاقة لسان؛ ولكنه لا يكون بصيراً فيما يقول، وذلك لضعف بضاعته من العلم، لكن عنده محبة للخير، وعنده جرأة؛ فهذا لا يجوز له أن يتكلم؛ لأن الله سائله عن هذا الكلام الذي يقوله، فقد يحلّل الحرام ويحلل الحلال.

        فعلى كلّ شخصٍ أن يتقي الله في نفسه، هذا من جانب.

        وفيه جانب آخر -أيضاً- فيه أشخاص يتكلمون بالمسائل العامة ليست المسائل الخاصة. المسائل الخاصة مثل شخصٌ حصل عنده خلل في صلاته وجاء يسأل. لكن فيه أشخاص يفتون بأمور عامة، وفتواهم هذه ليس لها أصلٌ في الشرع؛ لكن عندهم -كما ذكرت قبل قليل- جرأة. فعلى كل واحدٍ أن يتقي الله، وينظر فيما يريد أن يقوله قبل أن يقوله، وإذا أشكل عليه شيءٌ فإنه يسأل أهل العلم. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (36) من سورة الإسراء.

[2] الآيات (44-47) من سورة الحاقة.

[3] من الآية (33) من سورة الأعراف.

[4] من الآية (59) من سورة النساء.

[5] من الآية (7) من سورة الحشر.

[6] من الآية (44) من سورة النحل.