Loader
منذ سنتين

معنى النية، وكيف تكون؟


الفتوى رقم (9055) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: أريد توضيحاً لمعنى النية وكيف تكون؟

الجواب:

        كون النية معتبرة في علاقة العبد بربه، وفي علاقته بنفسه، وفي علاقته بالناس، الأصل فيها قاعدة وهي الأمور بمقاصدها، وهذه القاعدة متقررة عن طريق الأدلة الاستقرائية من الكتاب ومن السنة.

        فجميع ما ورد في القرآن من جهة نسبة الإرادة إلى الناس، فإن هذه الأدلة تدل على اعتبار النية، وكذلك ما ورد من الأحاديث؛ كقول النبي « إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ». والنية تدخل في باب العقائد، وتدخل في باب العبادات، وتدخل في باب العادات.

        أما دخولها في باب العبادات فإنها تدخل على أنها شرطٌ في صحة العبادة، وشرطٌ أيضاً في الثواب على العبادة، ولا فرق في ذلك بين كون العبادة واجبة أو أنها مستحبة.

        وهكذا تكون النية للتمييز بين العبادات؛ لأن كل نوعٍ من العبادات يأتي على وجوه، فمثلاً الاغتسال يأتي لرفع الحدث، ويأتي للتبرد، ويأتي مثلاً للتعليم، والصلاة تكون مثلاً فرض، وتكون نفلاً، وتكون قضاءً، وتكون أداءً، وتكون إعادة، وهكذا بالنظر للصيام، وهكذا بالنظر لما يخرجه الإنسان من المال؛ قد يكون صدقة، وقد يكون زكاة، وقد يكون أداءً لحقٍ واجبٍ عليه إلى غير ذلك، وهكذا بالنظر للجهاد كما قال لما سأله رجلٌ عن الجهاد في سبيل الله فقال له الرجل: « يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعةً، والرجل يقاتل حميةً، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ».

        فالمقصود أن النية شرط في صحة العبادات، وشرط في الثواب، وكونها شرط في الثواب لابد أن يكون الشخص قد ميز العبادة التي يريد أن يفعلها.

        وأما بالنظر إلى باب العادات؛ كالمعاملات المالية ونحوها، فإن النية فيها شرط في الثواب، وليست شرطاً في صحة العقود مثلاً أو الفسوخ؛ لأن العقد إذا توفرت أركانه وشروطه وانتفت موانعه، فإنه يكون صحيحاً، وهكذا أيضاً الفسوخ إذا توفرت جميع الأمور المطلوبة شرعاً فإنها تقع، ولو أن شخصاً عقد عقداً توفرت أركانه وشروطه وانتفت موانعه قال: أنا لم أنوي البيع، فإنا نقول: إن البيع صحيحٌ لتوفر أركانه وشروطه وانتفاء موانعه، فتبين من هذا أن النية داخلةٌ في جميع أبواب الشرع.

        وكما أنها تدخل في باب الأوامر، فتدخل أيضاً في باب النواهي، ولهذا تدخل في الشرك الأكبر والشرك الأصغر؛ ولهذا يقول الله -جل وعلا-: « من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه »، وتدخل أيضاً في النفاق سواءٌ كان أكبر أو كان أصغر، لأنه منهيٌ عنه، لكن الإنسان ينطوي على نيةٍ سيئةٍ، ويظهر للناس ما هو حسنٌ والناس يعاملونه على ما يظهر لهم منه، والله يعلم سريرته، ولهذا قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[1].

        فالمقصود أنها تدخل في جميع فروع الشريعة وفي جميع أصولها أيضاً لكن دخولها فيما كان فيه التعبد سواءٌ كان اعتقاداً أو عملاً، فهذا تدخل فيه على أنها شرطٌ في الثواب وشرطٌ في الصحة، أما ما لم يكن من باب الاعتقاد ولا العبادة، فهذا تدخل فيه من ناحية الثواب، سواءٌ كان ذلك من جهة الترك أو كان ذلك من جهة الفعل، فإذا ترك الإنسان ما حرم الله يبتغي بذلك وجه الله، فإن الله تعالى ومن ترك شيئا من ما حرم الله بعد العجز عن الحصول عليه، فإنه يُثاب على سوء قصده، وبالله التوفيق.



[1] الآية (69) من سورة القصص.