Loader
منذ 3 سنوات

تفسير الحديث الذي رُوِي عن النبي ﷺ، قال الرسول ﷺ:« يأتي على أمَّتي زمنٌ يُحبُّون خمساً ويَنسَون خمساً، يحبون الدنيا وينسون الآخرة، يحبون المال وينسون الحساب.....»إلخ. ومدى صحته


  • فتاوى
  • 2021-09-20
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1596) من المرسل س. ل. أ، من باكستان، يقول: ما تفسير الحديث الذي رُوِي عن النبي ﷺ، قال الرسول ﷺ:« يأتي على أمَّتي زمنٌ يُحبُّون خمساً ويَنسَون خمساً، يحبون الدنيا وينسون الآخرة، يحبون المال وينسون الحساب، يحبون الخَلْق وينسون الخَالِق، ويحبون الذنوب وينسون التوبة، ويحبون القصور وينسون القبور »، وأرجو شرح هذا الحديث أو تَصْحِيحه.

الجواب:

        هذا الحديث بالنسبة لقوله في أوله: « يُحبُّون الدنيا ويَنسَون الآخرة » هذا من جهة أنهم يُقدِّمون أعمال الدنيا من الأقوال والأفعال يقدمون أمور الدنيا على أمور الآخرة، فيُرَجِّحُون جانب الدنيا على جانب الآخرة، فالذي يُقرِّبُهم إلى الله -جلّ وعلا- في الآخرة تكون بِضَاعَتَهم مُزَجَاةً منه.

        ولهذا بعض الخلفاء السابقين طلب من أحد العلماء أن يَنصَحه، وسأله قال له: ما لَنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخْرَبتُم الآخرة وعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخَرَاب[1].

        فكثير من الناس يُولِي الدنيا عناية ًخاصة؛ ولكنه ينسى نصيبه من الآخرة، ففي باب أوامر الله -جلّ وعلا-تجد أنه يتساهل فيها، وفي باب النواهي تجد أنه لا يَرْعَوي من جهة ارتكاب النواهي، فيرتكب ما نهاه الله عنه من أجل حصول لذةٍ من لذات الدنيا، فأنت ترى في باب الأوامر في عصرنا الحاضر كثيراً من الناس لا يُصلُّون مُطلقاً، ولا أقصد في هذا البلد بل المسألة عامة؛ يعني: تساهل كثيرٍ من الناس في الصلاة موجود هذا بالنسبة للصلاة، واخترت التمثيل بها؛ لأنها آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، فقد جاءت أدلة كثيرة تدل على أهميتها. وفي باب النواهي شُرب الخمور وحصول الأمور المُحرَّمَة الأخرى.

        وأما قوله: « يُحبِّون المال ويَنسَون الحِساب » فهذا فيه بيانٌ أنهم في باب المال لا يتعاملون التعامل الشرعي، فيستخدمون الغش، ويتعاملون بالربا، ويَكذِبون في معاملاتهم، ولا يُخرِجُون زكاة المال؛ وما ذلك إلا من أجل حبِّهم للمال.

        وينسون الحساب؛ يعني: ينسون الآثار المترتبة على هذا التعامل في المال بالطريق الذي ليس بمشروع، فليس من يتعامل في المال بالبيع والشراء على الوجه الذي يُرِضي الله كمن يتعامل به على الوجه الذي يُغْضِب الله -جلّ وعلا-، وليس من يكون ناصحاً كمن يكون غاشَّاً في تعاملاته، وليس من يكون صادقاً في معاملاته كمن يكون كاذباً؛ فكثيرٌ من الناس يستخدم الغش والكذب، ويتجاوز في تعامله بالتعاملات الربوية من أجل أن يزيد رصيده في البنك؛ ولكنه ينسى ما يترتب على هذه الأعمال من الجزاء يوم القيامة.

        وأما قوله: « يحبون الخلق وينسون الخالق »، فذلك أن الشخص له موقف مع الناس، وله موقف مع الله -جلّ وعلا-، فإذا تعارض حق الله مع حق المخلوقين آثر حق المخلوقين على حق الله -جلّ وعلا-؛ فانتهك حُرْمَة حق الله -جلّ وعلا-وأكمل حق المخلوقين؛ لأنه يرى أن للمَخْلوقين مكانةً واحتراماً، ويخاف منهم ويَرجُوهم؛ ولكنه ينسى أن الله -جلّ وعلا- هو خالق الخَلَق، وهو المُتَصرِف في هذا الكون:"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"[2]، فهو -جلّ وعلا- المتصرف في هذا الكون، فهذا الشخص الضعيف يَرْكَنُ إلى المخلوقين وينصرف عن الله -جلّ وعلا-.

        وأما قوله: « يحبون الذنوب وينسون التوبة » فذلك أن النفس تميل إلى الانطلاق وعدم التقيُّد، وهي عندما تنساق إلى الانطلاق وعدم التقيُّد فمعنى ذلك أنها تنساق إلى ترك الأوامر وهذا ذنب، ٌوتنساق إلى فعل النواهي وهذا ذنبٌ، فيَسْتَدرِج الإنسان في ترك الأوامر، ويستدرج -أيضاً- في ترك النواهي، وبعد ذلك ينسى التوبة؛ يعني: إن التوبة لا تكون له على بالٍ، وذلك من أجل قوة تَمكُّن ترك الأوامر وفعل النواهي من قلبه، وهذا قد يكون واصلاً إلى الدرجة التي قال الله -جلّ وعلا- فيها:"فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ"[3]، وفي قوله تعالى:"نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ"[4]، فإذا كان الإنسان مُغرِقاً في هذه الأمور؛ ولكنه لا ينتبه إلى التوبة والرجوع إلى الله -جلّ وعلا- فهذا يُخشى عليه من الهلاك.

        وأما قوله: « يحبون القصور وينسون القبور »، فهذا من جهة أنهم يميلون إلى زهرة الحياة الدنيا، وينسون القبور من جهة أنهم لا يَعُدُّون لها العُدَّة؛ بل يعدون العدة لقصور الدنيا من جهة توفير جميع وسائل الراحة فيها التي تُعينُهم على فعل المعاصي ما تُعينُهم على فعل الطاعات؛ لأن الإنسان إذا استعان بالخير على فعل الطاعات، فهذه وسيلة شرعية؛ لأنها تؤدي إلى غرضٍ سليم؛ أما الذين يوفرون وسائل الراحة في قصورهم من أجل الاستعانة بها على ما حرَّم الله -جلّ وعلا-؛ فهؤلاء الذين ينسون القبور.

        وعلى الإنسان الذي أنعم الله -جلّ وعلا- عليه بنعمة الدنيا ألّا يَغتَّر بهذه النعمة؛ فإن الله -جلّ وعلا- هو الذي أنعم بها عليه، وهو القادر على سَلبِها منه في أقرب وقت ٍعلى حسب ما يراه الله -جلّ وعلا- من الحكمة.

        فعلى العبد أن يشكر نعمة الله -جلّ وعلا- عليه، وأن يستعمل ما أنعم الله به عليه في مرضاة الله -جلّ وعلا-، وما يُقرِّبه إليه من فعل الطاعات وترك المحرَّمات. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه الدارمي في سننه، كتاب العلم، باب في إعظام العلم(1/499)، رقم(673).

[2] الآية (26) من سورة آل عمران.

[3] من الآية (5) من سورة الصف.

[4] من الآية (67) من سورة التوبة.