Loader
منذ سنتين

المدة المحددة لسفر المرأة من غير محرم، وأثر تقارب المدن لوجود وسائل المواصلات السريعة


الفتوى رقم (2213) من المرسل ف. ح من الدمام، يقول: عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- أنه سمع النبي ﷺ يقول: « لا يخلونّ رجلٌ بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم  »، هل هذا الحديث يمنع الخلوة بالمرأة في أي حالٍ من الأحوال؟ وما المسافة المحددة لسفر المرأة من غير محرم؟ وإذا كان العلماء يقولون مسافة السفر الذي تقصر فيه الصلاة ثمانون كيلو متراً، فهل تعتبر هذه المسافة في شأن سفر المرأة مع أن المدن تقاربت وقصر فيه الوقت لوجود المواصلات السريعة؟

الجواب:

أولاً: ينبغي أن يُعلم أن الشارع حافظ على كرامة المرأة وعلى كرامة الرجل، كما في قوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" ومن وجوه التكريم التي أكرم الله بها المرأة: أنه سد الذرائع التي يمكن أن يتوصل بها إلى إيقاع الفاحشة بالمرأة، وفي ذلك إهانة لها، وإهانة لمن وقع عليها ، وإهانة لأولياء أمورها، وبالتالي إفسادٌ للبنةٍ صالحةٍ في المجتمع، فقد أوجب الله الحجاب، وأمر بغض البصر في قوله تعالى: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ"[1]، بعد قوله تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ"، ومنع مصافحة الأجنبية، ومنع دخول غير المحرم عليها، ومنع الخلوة بها، ومنع سفرها بدون محرم، إلى غير ذلك من وجوه التكريم.

ثانياً: أن هذه الوجوه التي جاءت في القرآن ومنها ما جاءت به السنة، إذا نُظر إليه من جهة الاستقراء وُجد أنه يقرر قاعدةً عامة، وهي: وجوب المحافظة على المرأة، وأن على ولي أمرها أن يحافظ عليها، وأن الشخص يعتبر المرأة الأجنبية منه كأنها من محارمه، « جاء رجلٌ يستأذن الرسول ﷺ في الزنا وهو شاب، فنظر إليه الرسول ﷺ وقال له: "اجلس"، فبعد فترة من جلوسه التفت إليه فقال له: "أترضى أن تزني أمك؟ قال: لا، قال: فكذلك الناس لا يجبونه لأمهاتهم، ثم قال له: أترضى أن تزني أختك؟ فقال: لا، فقال: فكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم »[2]، إلى آخر الحديث، أو كما قال ﷺ، فتكون نظرة الشخص نظرة عادلة باطناً وظاهراً، وأن يتنبه إلى هذه القاعدة من جهة أن المقصود هو المحافظة على كرامة المرأة.

ثالثاً: أن المسافة التي قررها العلماء من ناحية المقدار وهي: ثمانون كيلو متراً، هذه هي مسافة القصر، وما ذكره السائل من تطور وسائل النقل من درجة الجمال إلى السيارات إلى الطائرات، وبدلاً من أن يسافر الشخص من مدينةٍ إلى مدينة على جمل ويقطع هذه المسافة في ثلاثين يوماً، أو يسافر على سيارة ويقطعها في أسبوع أو في يومين مثلاً، أو يسافر في طائرة ويقطعها في مسافة ساعة مثلاً، اختلاف الوسائل ليس له تأثيرٌ على ذلك، بدليل أن الوسائل التي كانت موجودة في عهد التشريع هي الأساس في تقدير المسافة، ولهذا قدرها العلماء بسير الإبل، يعني المرحلة بسير الإبل ثمان ساعات، والإبل إذا سارت سيراً معتدلاً ثمان ساعات، فإنها تقطع أربعين كيلوا متراً. فالرسول صلوات الله وسلامه عليه خاطبهم بما هو معروفٌ عندهم، وهذه الوسائل التي تطورت، إذا فرضنا أنها ظلت عن الطريق اختياراً أو قهراً، أو حصل لها عطلٌ فما مصير المرأة التي تكون بين رجالٍ لا تعرفهم ولا يعرفونها؟! فالواجب هو النظر إلى ما قرره الشارع، ويجب النظر أيضاً إلى أن الهدف والمقصود هو المحافظة على كرامة المرأة من جهة، وكرامة أولياء أمورها من جهةٍ ثالثة، وكرامة المجتمع والمحافظة عليه من ناحية سريان الفساد فيه، فإنه إذا كثرت المحافظة على النساء قل الفساد، وإذا قلت المحافظة عليهنّ كثر الفساد وبالتالي يفسد المجتمع أخلاقيا، وبالله التوفيق.



[1] من سورة النور من الآية (31).

[2] ينظر: مسند أحمد(36/545)، رقم(22211).