Loader
منذ سنتين

حكم قرض التيسير الذي تقوم به البنوك


الفتوى رقم (10512) من المرسل السابق، يقول: ما رأيكم فيما تقوم به بعض البنوك من عملية التقسيط المُسماة بقرض التيسير، هل هذا الأمر مشروع أم لا؟

الجواب:

        من المعلوم أن الشخص عندما يريد أن يُفتي لابد أن يفهم الواقع تماماً. والسائل لابد أن يُفهم المفتي في الواقعة، وإذا حصل إشكالٌ عند المفتي فإنه يسأل السائل حتى تستقرّ الصورة الواقعة في ذهنه، ثم ينظر إلى هذه الواقعة من جهة مناطها، ثم ينظر إلى موقعها من الشريعة، ثم يعمل الربط بين هذه الواقعة وبين موقعها من الشريعة، وينظر اتفاق هذه الواقعة في المناط وموقعها في الشريعة من ناحية المناط، ثم بعد ذلك يصدر الحكم من جهة الجواز أو عدم الجواز.

        وهذا السؤال الذي سأل عنه هذا السائل ويسميه قرضاً: فإذا كانت البنوك تُقرض نقوداً لبعض الناس ولكنها لا تأخذ على ذلك فائدةً بأي وجهٍ من الوجوه؛ فهذا من القرض الحسن وليس فيه بأس.

        أما إذا كان البنك يُقرض الشخص ويجعل هناك فوائد، فقد يقرضه لسنة أو سنتين أو عشر سنوات على حسب الإنفاق بينه وبين العميل؛ ولكنه يحسب لكل سنةٍ ربحاً لما تبقى من المبلغ، فيتفق مع المقترض على أن سبعة في المائة، أو ثمانية في المائة، فيأخذ سبعة في المائة على المبلغ من أول السنة إلى جميع السنوات الباقية، ثم في السنة الثانية يأخذ ثمانية في المائة على ما تبقى من الأقساط وهكذا.

        فهذا لا شك أنه هو عبارة عن بيع دراهم بدراهم: دراهم حالّة بدراهم مؤجلة؛ ولكن بوجود فرق؛ فهذا لا يصحّ أن يسمى قرضاً؛ وإنما حقيقة الأمر أنه بيع دراهم حاضرة بدراهم مؤجلة، فلا يجوز للبنك أن يُقرض! ولا يجوز للعميل أن يأخذ هذا. وقد يُسمى قرضاً من وجهٍ ثالث، وذلك أن البنك يكون مالكاً لسلعةٍ من السلع سيارة أو بيتاً أو أرضاً أو ما إلى ذلك، يبيع هذه السيارة أو هذا البيت أو هذه الأرض مؤجلة إلى عشر سنوات، خمس عشرة سنة، عشرين سنة. ويحسب لكل سنةٍ ربحاً؛ فهذا ليس فيه مانعٌ لقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}[1].

        ومن المعاملات التي يسمونها قرضاً أن يأتي الشخص إلى البنك ويقول له: أنا أريد سيارة ويتفق معه على نوع السيارة. والقيمة حالةً. ثم بعد ذلك يفرض عليه الربح المؤجل، ويكتبان بذلك عقداً بين البنك وبين العميل، ثم يشتري البنك السيارة بعد ما باعها على العميل؛ فالرسول ﷺ يقول: « لا تبع ما ليس عندك »، وهذا يسمونه قرضاً.

        فالمقصود: أن على كل شخصٍ يريد أن يتعامل مع البنوك، وعلى كل مسؤول عن كل بنكٍ من البنوك أن يتقي الله وأن يتحرى المعاملة التي ترضي الله -جل وعلا- فإن الحلال طيب، وإن الحرام خبيث، فكون الإنسان يسعى في كسبٍ يأثم فيه قد تُمحق بركة ماله في الدنيا من جهة، ويعذب على ذلك كما قال -جل وعلا-: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ -يعني: من قبورهم يوم القيامة- {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[2]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}[3].

        فعلى كل مسلمٍ أن يتقي الله وأن يتجنب جميع المعاملات الربوية فإنها لا خير فيها لا في الدنيا ولا في الآخرة. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (282) من سورة البقرة.

[2] من الآية (75) من سورة البقرة.

[3] الآيتان (278-279) من سورة البقرة.