معنى الحديث « من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى »
- فتاوى
- 2021-12-17
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (4149) من المرسل ع. ح من السودان -كسلا،: يقول الرسول ﷺ: « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى »، قيل: من يأبى يا رسول الله؟ قال: « من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى »[1]. أو كما قال الرسول ﷺ. فهل الرجل المسلم ملزم أن يعمل كل عمل عمله الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- أم ماذا؟
الجواب:
من المعلوم أن الله -جل وعلا- أنزل القرآن، وجاءت السنة مبينة للقرآن والأحكام، منها ما هو واجب، ومنها ما هو مندوب، ومنها ما هو مباح هذا بالنظر للمعمول به.
وبالنظر للمنهي عنه ؛ منه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، والواجب درجات، وكذلك المندوب، وكذلك المباح، وكذلك بالنظر للمحرم فهو درجات، والمكروه كذلك هو درجات.
وإذا نظرنا إلى المكلفين وجدنا أنهم مأمورون بتطبيق هذه الشريعة، كل فيما يخصه، والناس من جهة هذه الشريعة أصناف:
الصنف الأول: من يأبى مطلقاً، وهؤلاء هم الذين يتصفون بناقض من نواقض الإسلام فأكثر، فالكفار كفر أكبر، والمشركون شرك أكبر، والمنافقون نفاق أكبر، هؤلاء أبوا عن اتباع هذه الشريعة إباءً تاماً، فالشخص الذي يموت على الكفر المطلق، أو الشرك المطلق، أو النفاق المطلق، هذا يدخل النار، ويخلد فيها، ولهذا لمّا حصل الإباء من فرعون وأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، قال -تعالى-: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[2]، والآيات كثيرة في القرآن، وكذلك الأحاديث من جهة جزاء هذا الصنف.
والصنف الثاني: من يتصف بالشرك الأصغر، والشرك الأصغر صاحبه عنده إباء ؛ ولكنه ليس إباءً مطلقاً، ولهذا لا يُغفر لصاحبه يوم القيامة، إما أن يدخله الله النار ويطهره، وإما أن يأخذ من حسناته بقدر ما ارتكبه من الشرك الأصغر، هذا إذا مات ولم يتب منه.
والصنف الثالث: أصحاب المعاصي وكبائر الذنوب، وهؤلاء عندهم إباء ولكنه لا يخرجهم من الإسلام، ولهذا كان الكفر الأكبر، والشرك الأكبر، والنفاق الأكبر مناف لأصل الإيمان ولأصل التوحيد، وكان الشرك الأصغر مناف لكمال التوحيد. أما كبائر الذنوب فإنها منافية لكمال ثواب الإيمان، ومنافية لكمال ثواب التوحيد. فالشخص عندما يزني، أو يسرق، أو يشرب الخمر، يكون عنده إباء، ويكون عنده معصية بحسب الشيء الذي ارتكبه، وهذا يكون إباء إضافي، يعني: مضاف إلى الشخص من جهة، ومضاف إلى الجريمة التي ارتكبها من جهة أخرى.
وهكذا بالنظر لمخالفته للأمر، قد يترك شيئاً من الواجبات، قد يترك شيئاً من الواجبات التي لا توصله إلى درجة الشرك الأكبر، أو الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر.
والصنف الرابع: هؤلاء أصحاب الصغائر الذين يصرون عليها، والشخص إذا كان يصر على صغيرة، فإن الإصرار على الصغيرة له شأن عظيم؛ لأنه يدل على تساهل الإنسان بالله من جهة، وعلى عدم اهتمامه من جهة بنفسه من جهة أخرى.
الإصرار على الصغيرة يحتاج إلى أن الشخص يرجع إلى نفسه، ويتوب إلى الله -جل وعلا-. وكذلك الإصرار على الصغائر إذا مات عليها الإنسان، فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه بقدر ما ارتكبه من المعاصي.
والصنف الخامس: أصحاب الصغائر الذين تقع منهم، ولكنهم لا يصرون عليها، وهؤلاء يقول الله فيهم: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[3] ويقول الرسول ﷺ: « الحج إلى الحج، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان الخ... إلى أن قال:" مكفرات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر ».
وبما أن هذه أمور تقع من الناس كل على حسبه، فقد فتح الله باب التوبة لعباده من جميع الذنوب والآثام، وفي هذا يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[4] أسرفوا على أنفسهم بالكفر الأكبر، بالشرك الأكبر، بالنفاق الأكبر، بالشرك الأصغر، بكبائر الذنوب، بالإصرار على الصغائر {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}[5].
فالله -سبحانه وتعالى- فتح باب التوبة، وما على الإنسان إلا أن يرجع إلى الله -جل وعلا-. وبهذا الكلام على سبيل الاختصار يتبين معنى قوله ﷺ من أن الشخص قد يأبى اتباع هذه السنة. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنة رسول الله ﷺ (9/92)، رقم(7280).