Loader
منذ 3 سنوات

أقوم بادخار راتبي في البنك وآخذ عليه أرباحاً بمقدار 2.5%


الفتوى رقم (14) من المرسلة ح.د سودانية مقيمة في السعودية، تقول: أنا موظفة، وأقوم بادخار راتبي في البنك وآخذ عليه أرباحا بمقدار 2.5% تضاف إلى المبلغ المدخر فهل في هذا ربا؟ أفيدونا برد مقنع حتى أعمل به في حياتي، مع العلم بأنني مالكية المذهب.

الجواب:

        هذه المسألة التي سألتْ عنها السائلة هي في الواقع كثيرة؛ يعني كثيرة الوقوع بالنظر إلى الأشخاص الذين يودعون في البنوك، ويأخذون على الأموال التي يودعونها فوائد.

        وهؤلاء منهم من يكون جاهلاً في الحكم، ومنهم من يكون عالماً بالحكم.

        وإذا كان عالماً بالحكم فقد يأكلها، وقد يتصدق بها، لكنه يستمر على الإيداع مع أخذ الفوائد من أجل أكلها أو من أجل التصدق بها.

        والحقيقة أن هذه المسألة: تحتاج إلى علاج، ومن وجوه علاجها، أنه لا يجوز للشخص أن يودع ماله على أساس أنه يأخذ فائدة، سواء أكانت مدة الإيداع ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر، أو سنة، أو أكثر من ذلك؛ لأن الشخص لا يجوز له أن يُقدم على التعامل بالربا، والله قد حرمه في القرآن، وجاء تحريمه في السنة، وأجمع عليه أهل العلم، والله -جل وعلا- يقول في كتابه العزيز حينما نهى المرابين عن التعامل في الربا، قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[1].

        فواجب على الشخص ألَّا يودع أمواله في البنوك من أجل أن يأخذ فائدة منها، ولو أراد أن يتصدق بالفائدة؛ لأن من الناس من يقول: أنا لا أريد أن آكل الربا، ولكنني أريد أن آخذ هذه الفوائد وأتصدق بها.

        ولو كان ذلك مشروعاً لبينه الله -جل وعلا- في الكتاب، وبينه الرسول ؛ يعني لو كان الربا جائزاً من أجل أن الشخص لا يأكله، ولكنه يتصدق به -يعني مشروع التعامل بالربا من أجل التصدق به- لبينه الله -جل وعلا- وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[2]، فالله -جل وعلا- وصف هذا الدين بالكمال {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[3].

        فالحاصل: أنه لو كان جائزاً لبينه الله أو بينه الرسول ، ولمّا لم يرد بيان لا في الكتاب ولا في السنة، دل ذلك على أن هذه الصورة داخلة في عموم أدلة الربا.

        ومما يحسن التنبيه عليه مع الأسف أن بعض الأشخاص يظن أن الربا الذي لا يجوز التعامل فيه هو ما كان موجوداً في الجاهلية فقط؛ وهو الزيادة في القيمة بناء على الزيادة في الأجل.

        وصورة ذلك: أن يكون لشخص على شخص دين مدته سنة، فإذا حل الأجل ولم يتمكن الذي عليه الدين أن يدفع دينه، يتفقان على الزيادة في الأجل سنة ثانية، وكذلك يتفقان على زيادة في الربح.

        فإذا كانت قيمة البضاعة إلى سنة عشرة آلاف تكون بعد السنة يعني يزاد عليها مثلاً ألف أو يزاد ألفان، فالمقصود: أن قصر الربا على هذه الصورة لا يجوز؛ لأن الأدلة جاءت في القرآن والسنة دالة على العموم، فلا ينبغي قصرها على صورة معينة وإجازة الباقي؛ لأن هذا من باب التأويل، وهو صرف الدليل عن ظاهره إلى تأويله، ومن القواعد المقررة في علم الأصول -يعني في علوم القرآن وفي أصول الفقه- أن الدليل لا يصرف عن ظاهره لتأويله؛ يعني لا يصرف عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح إلا بدليل يدل على ذلك، ولا دليل يدل على قصر الربا على هذه الصورة، وبالله التوفيق.



[1] الآية (279) من سورة البقرة.

[2] من الآية (3) من سورة المائدة

[3] من الآية (64) من سورة مريم.